الاعجاز العلمي في سورة العصر من الشيخ محمد راتب النابلسي,سورة العصر والاعجاز العلمي ف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصـلاة والسـلام على سـيّدنا محمد الصـادق الوعـد الأمين . اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم . اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين . تفسير سورة العصر . أيها الإخوة الكرام ؛ الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول : سورة العصر لو تدبَّرَها الناس لَكَفَتْهُم . أي لو لم يَكُن في القرآن الكريم كُلِّه إلا هذه السورة لَكَفَتْ ، يقول الله عز وجل : ﴿ وَالْعَصْرِ ﴾ [ سورة العصر الآية : 1 ] الزمن : العصْر : هو الزَّمَن ومُطلق الزَّمن ، يُقْسِمُ الله عز وجل بِمُطْلق الزَّمن لماذا ؟! لأنَّ الإنسان في الأصل زَمَن ، إنَّه بِضْعة أيَّام كُلَّما انْقضى يوم انْقضى بضعٌ منه . الزَّمَن البُعْد الرابِع للأشياء . فالشيء طول وعرض وارْتِفاع ، فإذا تَحَرَّك شكَّل زمنًا ، والزَّمَن بالأساس مسافة . سرعة الضوء : وأدَقُّ ما اطَّلَعْتُ عليه مُؤَخَّرًا أنَّ هذه النَّظَرِيَّة النِّسْبِيَّة " نَظَرِيَّة انْشْتاين " التي أقامَت العالم وأقْعَدَتْهُ مُلَخَّصُها أنَّ كُلَّ جِسْمٍ سار بِسُرْعة الضَّوء صار ضوْءاً ، والضوء يقْطع بالثانِيَة ثلاثمائة ألف كيلومتر ، وحينما قال الله عز وجل : ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [ سورة السجدة الآية : 5 ] نحن نَعُدُّ التَّقْويم القمَري ، والقمر يدور حول الأرض دوْرَةً كُلَّ شَهْر ، فإذا أخَذْنا المسافة بين مركز الأرض ومركز القمر ، فهذا نِصْف قطر دائرة سَيْرِهِ ، فَمِن نصف محيط الدائرة نعرف مُحيط الدائرة ، فَكَم يقْطع القمر في مسيره حول الأرض في ألف عام ؟ قسِّم المسافة التي يقْطعها القمر في دَورانِه حول الأرض في ألف عام ، قسِّم هذا الرَّقم على عدد ثواني اليوم ، ينْتُج سرْعة الضَّوء بالدِّقة ، والآية الثانية قوله تعالى : ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [ سورة المعارج الآية : 4 ] ففي هاتين الآيتين أصل سرْعة الضَّوء . أنَّ كُلَّ جِسْمٍ سار بِسُرْعة الضَّوء صار ضوْءً . كتْلَتُهُ صفْر ، وحجْمه لانِهائي . إذا سار الجسم مع الضَّوء توقَّف الزَّمن . فإذا سبق الضَّوء تراجَعَ الزَّمَن . فإذا تأخَّرنا عن الضوء تراخى الزَّمَن . من الخاسر ؟ قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [ سورة العصر الآيات : 1-2 ] مُضِيُّ الزَّمَن يسْتهلِكُهُ ، اُنْظر إلى صورتك قبل عشرين عامًا ، وقبل ثلاثين ، وَجه مشْدود وشعر كثيف ، هذا فِعْل مَن ؟ هذا فِعْل الزَّمن ، ماذا قال سيِّدنا عمر بن عبد العزيز ؟ الليل والنهار يَعْملان فيك فاعْمَل فيهما العمل الصالِح ، فَمُضِيُّ الزَّمَن وحْدهُ يسْتهلِكُنا ، ونحن في خسارة مُحَقَّقة ، قال تعالى ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [ سورة العصر الآيات : 1-2 ] مُضيُّ الزَّمَن وحدهُ يسْتهلكنا ، واحِد عاش ثلاثًا وسِتِّين سنة ، ينْعَدُّ كَم مرَّةً سافَرَ ؟ وكم مرَّة انْعَزَم ؟ وكم مرَّة تنزَّه ؟ لأنّ الإنسان بِضْعة أيَّام إذا انْقضى يوم منه انْقضى بضعٌ منه ، وهناك حالةٌ واحِدَة تتلافى فيها الخَسارة فهذا الزَّمَن إما أن تُنْفِقَهُ إنْفاقًا اسْتِهلاكِيًّا ، وإما أن تُنْفِقَهُ إنفاقًا اسْتِثْمارِيًّا فالإنفاق الاسْتِهلاكي أنْ تأكل وتَشْرب وتتنعَّم وتنام وتكسب المال ، وتنْغَمِس في المَلذَّات ، أما الإنفاق الاسْتِثْماري أن تؤمِن وأن تدْعو وأن تصْبِر ، قال تعالى : ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [ سورة العصر الآية : 3 ] هذه أركان النَّجاة ، مَن أراد أن لا يَخْسَر فلا بدّ أن يؤْمِن كُلّ ، ولا بورِكَ لي طُلوعِ شَمْس يومٍ لم أزْدَد فيه من الله علْمًا ، ولا بورِكَ لي طُلوعِ شَمْس يومٍ لم أزْدَد فيه من الله قرْبًا ، فأنت ينبغي أن تزْداد قُرْبًا وأن تزْداد عِلْمًا لكي لا تَخْسَر ، ومَن لم يَكُن في زِيادة فَهو في خُسْران ، والمَغْبون مَن تساوى يوْماه ، فإذا مضَى اليوم ، وقد تكون الغلَّة مليون من المبيعات ولم تزْدَد عِلْمًا بالله فهذه هي الخسارة ، فالله يُقْسِم في قوله تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [ سورة العصر الآيات : 1-2 ] يُقْسِم الله لهذا المَخلوق الذي هو من الزَّمَن أنَّهُ في خسارة ، قال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [ سورة العصر الآية : 3 ] أن تُؤْمِن هذه أحدُ أركان النَّجاة ، وان تَدْعُوَ إلى الله فرْضُ عَيْن ، وأن تصْبر على الطاعة وعن الشَّهوة وعن قضاء الله وقدَرِه ، وهذه كُلُّها من أركان النَّجاة . فهذه السورة تَكفي الإنسان ، والعاقل الذي يقول : كم بقي مِنِّي ؟ وليس كم مضى ؟ يَعُدُّ بالتَّنازُل ، فالذي بقي في الأعمّ الأغْلَب أقلّ مِمَّا ، ومَن بلَغَ الأربعين دَخَل في أسواق الآخرة ، كَمَن يذهب لِنُزْهة وفي يومه الأخير يَجْمع أغراضَهُ ويعْكس كلّ حركاتِهِ ، ويشْتري هداياه ، وهذا شأن الناس جميعًا ، وكذا مَن دخَل الأربعين دخل في أسواق الآخرة ، فإذا قال الإنسان : كَم بقِيَ لي ؟ هذا العُمْر بعد الأربعين هو عُمْر الطاعة والعِبادة والإقبال والتِّلاوة وطلب العلم ، أت تُعِدَّ للآخرة ، لكي لا يقول : يا ليتني قدَّمتُ لحياتي ، ولكي لا يعضّ على يديه . أيها الإخوة ؛ معنى خُسْر ؛ أنَّ الذي جمَّعْتَهُ في الدنيا كُلِّها تَخْسَرُهُ في ثانِيَة واحدَة ، وأهْل الكُفْر يَبْلُغون قِمَم المَجْد ، أما إذا ماتوا ترَكوا كُلَّ شيء ، أما أهْل الإيمان إذا ماتوا أخَذُوا معهم كُلَّ شيء ، ومَن آثَر دُنياهُ على آخرتِهِ خَسِرَهما معًا ، ومَن آثَر آخرتهُ على دُنياه ربِحَهُمَا معًا ، وهذه السورة تقْرؤونها جميعًا في الصلاة ، ولو تدبَّرها الناس لَكَفَتْهُم ، فإن لم تَدْعُ إلى الله فأنت خاسِر ، فالتَّواصي بالحق كي تتَّسِعَ دوائِره وتضيق دوائر الباطل ، أما إذا سكَتْنا كان الأمر على العَكْس . قال تعالى : ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [ سورة العصر الآية : 3 ] أنت حينما تسْتقيم على أمر الله وتدعوا إلى الله وتصْبر على طاعته وعن شَهَواتِك ، وعلى القضاء والقدر تُحَقِّقُ الهَدَفَ مِن وُجودِكَ ، ولن تخْسَرَ أبدًا . أيها الإخوة ؛ أنتم تقرؤون هذه السورة ، وعليكم بِتَدَبُّرِها ، ومَن تدبَّرَها سَعِدَ في الدنيا ، وسَعِدَ في الآخرة . والحمد لله رب العالمين |
رد: الاعجاز العلمي في سورة العصر من الشيخ محمد راتب النابلسي,سورة العصر والاعجاز العل
جزاكي الله خيراا حبيبتي |
رد: الاعجاز العلمي في سورة العصر من الشيخ محمد راتب النابلسي,سورة العصر والاعجاز العل
|
رد: الاعجاز العلمي في سورة العصر من الشيخ محمد راتب النابلسي,سورة العصر والاعجاز العل
|
رد: الاعجاز العلمي في سورة العصر من الشيخ محمد راتب النابلسي,سورة العصر والاعجاز العل
|
رد: الاعجاز العلمي في سورة العصر من الشيخ محمد راتب النابلسي,سورة العصر والاعجاز العل
|
الساعة الآن 11:37 PM |