أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل



https://adlat.net/showthread.php?t=144989
4021 5
#1

افتراضي خطبة عن العبودية الصحيحة

خطبة عن العبودية الصحيحة


إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعــد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"العبودية الصحيحة"، هذا العنوان قد يثير الانتباه، وقد يقال: نحن الآن في عصر العبودية أم في عصر الحرية؟
فنقول: نحن الآن في عصرٍ يدّعي أهله جميعاً شرقاً وغرباً أنه عصر الحرية!! ولم تبلغ دعوة الحرية في أي وقت من الأوقات، وفي أي قرن من القرون مثلما بلغت في هذا القرن.
إنَّ هذه الحرية المدَّعاة والمزعومة التي يعيش العالم شرقاً وغرباً على أحلامها، وعلى أوهامها، بلغت بهم مبلغاً عظيماً، حتى إنك لو واجهت أحداً من هؤلاء وقلت له: إنك عبد، أو إنك تعيش في عبودية، لغضب منك ونفر أشد النفور؛ لأن التمرد على الله -عز وجل- والاستكبار عن عبادة الله -عز وجل- لم يبلغ في أي وقت من الأوقات، مثلما بلغ في هذا القرن المسمى "قرن الحضارة والرقي والتطور"!
وهل العالم البشري فعلاً يعيش الآن في عصر الحرية أم في عصر العبودية؟ وإذا كان يعيش في عصر العبودية فما سر هذه العبودية؟
ولمن تُقدم هذه العبودية؟
وما هي العبودية الصحيحة البديلة التي يجب أن يتعبد البشر بها؟




ومن هو المعبود الأوحد الذي يجب أن تتجه إليه العبودية وحده لا شريك له؟
يجب أن نعلم أن هذه القضية ليست قضيتنا نحن المسلمين فقط، بل هي قضية العالم كله، هذا العالم المخدوع الذي يظن أنه في عصر الحرية، وهو مكبلٌ بأنواع العبوديات، وأغلالها، ولكنها جميعاً مع الأسف ليست لله عز وجل، وإنما هي عبوديات لأربابٍ من دون الله.
فكيف نعرف حقيقة العبودية؟
وكيف نعرف أننا نعيش في قرن العبودية الأكبر؟
وكيف نعرف أن هذا العالم هو أبعد ما يكون عن الحرية الصحيحة؟ وأين نجد الحرية الصحيحة؟
وكيف نعرف العبودية الصحيحة؟!!
إن مفهوم العبودية هو نفسه مفهوم العبادة، الذي قال الله تبارك وتعالى فيه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فهو الغاية من خلق الإنس والجن، فالغاية من وجود الثقلين هو عبادة الله، وهو العبودية الصحيحة لله تعالى، وقد شرَّف الله تبارك وتعالى أحب خلقه إليه وأعظمهم عنده، وهو رسولنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أعلى درجات التكريم بأن قال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1] قال (بِعَبْدِهِ ) في لحظة التكريم التي لم يبلغها أحد، إذ لم يبلغ أحد من البشر من التكريم إلى أن يرفعه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إليه، كما رُفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الإسراء، ومع ذلك يقول الله تبارك وتعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1].
فهذه غاية الأوصاف، وغاية الألقاب التي يحرص كثيرٌ من الناس على أن يضخموها، فأعظم لقب، وأشرف وصف اختاره الله عز وجل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أنه عبد، ونقول في الشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
إذاً: أعظم مقام، وأعظم رتبة، هي العبودية، فكلما تحققت فيك العبودية لله -عز وجل- أكثر، كلَّما كنت أعظم درجة، وأعلى رتبة، وهذا هو المعيار والميزان الصحيح.

العبودية الخفية عند الغرب

العبوديات -كما قلنا- تختلف، ولذلك يقع هذا العالم المتمرد في أنواعٍ كبرى من العبوديات للبشر، وهو نوعٌ معروفٌ حدثنا الله تبارك وتعالى عنه في القرآن، كما كانت عبودية قوم فرعون لفرعون حين قال لهم: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24]، فصدقوه.
عبودية البشر للبشر في هذا القرن تتمثل في هذه المناهج التي وضعها بشر، مثل كارل ماركس ، وهو رجل شيوعي يهودي، وضع مذهباً اسمه الشيوعية ، كم من الملايين اليوم تتعبد بهذا المذهب، وكم من الدماء أريقت من أجل تثبيت هذا المبدأ؟!
المسلمون وحدهم في الاتحاد السوفيتي قتل منهم ما يزيد عن عشرين مليوناً ذهبوا ضحية الاحتلال الشيوعي للمناطق الإسلامية، وذلك من أجل أن يثبت هذا المذهب، وهذا المبدأ الذي وضعه رجل يهودي واحد، فهل هناك نوع أشد من هذا النوع من العبودية، أنَّ رجلاً يهودياً فيلسوفاً يأتي بهذا المذهب الهدَّام، فتراق من أجله دماء الملايين، وتقام الثورات في كل مكان باسمه ولأجله؟!
والعاَلَمُ الغربي يتشدق بالحرية، ويدّعي أنه هو العالم الحر، ولكن أي حرية هذه في عالم لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر؟!
أي حرية في عالمٍ لا يدين دين الحق لله -تبارك وتعالى-؟!
والكرامة الإنسانية فيه مهدرة، حثنة من اليهود متسلطون على إمكانيات الغرب يتلاعبون بمقدراته وبخيراته وبشعوبه كما يشاءون، وتقدم لهم أنواع العبوديات.
ونحن نختار -مثلاً بسيطاً- من العبوديات التي تقدم في الغرب كمثال فقط:
هناك في الغرب بيوت للأزياء، وأغلب القائمين عليها من اليهود، وهم يضعون لكل فترة ولكل لحظة أحياناً زياً معيناً، فهناك أزياء للربيع، وأزياء للشتاء، وأزياء للخريف، وأزياء للسهرة، وأزياء للصباح، وأزياء للمساء، وأزياء مضحكة، وأزياء مفزعة، أنواع كثيرة جداً، يتنمقون، ويتفننون فيها، ويتغالون في أسعارها، ولا يملك الملايين في هذا العالم -الذي يُسمَّى العالم الحر- إلا أن يمتثل، فلا يمكن أن ترتدي المرأة فستان السهرة -مثلاً- في وقتٍ غير السهرة، فهذه أضحوكة مخالفة، ومنكر يُنكَرُ عليها؛ لأنها لم تقدم العبودية لهؤلاء الأرباب الذين يمتصون الخيرات، ويتلاعبون بمقدرات الأمم ويستعبدونها بهذا الشيء.
صور من العبودية
هناك أنواعٌ أخرى من العبوديات لا تحصى، ولكن الناس لا يدركونها، ولا يتصورونها، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبهنا إلى معنىً، وإلى قضيةٍ خطيرة، يجب أن نتنبه لها جميعاً حينما قال: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش }.

فرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيَّن أنه من الممكن أن يكون الإنسان عبداً للدرهم وللدينار، وهذا شيء عجيب، كيف أنَّ الإنسان الذي يكدح ليل نهار، ويجمع المال ويستنفع به يكون عبداً له؟!
لكن هذا كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا هو الواقع يصدِّق هذا الكلام، فالرجل الذي يغفل عن نفسه، وأسرته، وعمله، وعن ما هو أعظم من ذلك كله، وهو ما خُلِقَ من أجله هذا الإنسان، ويشتغل عنها بجمع الدرهم والدينار، أو بالمنصب، أو بالوظيفة، أو بأي شيء من الدنيا، فهذا عبد للدرهم والدينار، وصدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الصادق المصدوق، ولا يمكن أن يقول إلا الحق، كما قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3]، فهو عبدٌ للدرهم والدينار، وعبدٌ للمنصب، وقد يكون عبداً للزوجة، وقد يكون عبداً لأي عبودية أخرى، والشرط الأخير أو المعيار الأخير هو أن يتملك قلبه، ولذلك قال في آخر الحديث: {إن أُعطيَ رضي، وإن لم يعطَ سخط } من تملك قلب الإنسان فهو عبدٌ له كما قال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً [الفرقان:43].
فهذا إنسان اتخذ إلهه هواه فهو عبدٌ لهواه، فعبودية الدرهم والدينار أن يبيع الإنسان دينه، وصلواته، وأن يضيع ما بينه وبين الله عز وجل، وأن يُضَّيعَ من يعول من أجل أن يجمع الدرهم والدينار، وهكذا عبوديات كثيرة يقدمها الإنسان وهو يدري أو لا يدري، وليس من الشرط أن يعلم الإنسان أنه يقدم عبودية، لكن إذا ملك قلبه شيء، فهو عبدٌ له شاء ذلك أم أبى، وهكذا أخبر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّ كل شيء واليت فيه وعاديت فيه فقد عبدته وقدمت له العبودية.
ولنضرب مثالاً بسيطاً من واقعنا الذي نعيشه: الكرة مثلاً، لا نتكلم عن الرياضة كمجال لتنمية الجسد ولا للنشاط، نتكلم عن الكرة كمعبود يوالى فيه ويعادى فيه، نتكلم عن الزوج الذي يطلق زوجته لأنه يشجع فريقاً وهي تشجع الآخر!! نتكلم عن الأخ الذي يهجر أخاه لأنه يشجع فريقاً، أو ينتمي إلى فريق وهو مع الفريق الآخر، أي عبودية تتصور أكثر من هذا؟
فهل هجرنا الكفار؟
هل عادينا الكفار وأعداء الله عز وجل حتى يصل بنا الأمر إلى هذا؟
لا! هذه هي العبودية التي جعلها الله في القلوب، وهذه هي التي يجب أن تنصرف إلى ما أمر وأراد، فتحب ما أحب الله، وتوالي من والى الله، وتعادي من عادى الله، فإذا صرفناها لأي شيء -كهذه الكرة- فهي عبودية لها شئنا ذلك أم أبينا.
مفهوم العبودية عند الصحابة
إنَّ العبوديات كثيرة في هذا العصر، ولكننا نريد أن نستعرض أو نعرف كيف وقع الانحراف في العبودية في أذهان الأمة الإسلامية.
كانت بداية الانحراف في أنَّ جيل الصحابة رضي الله عنهم الذي عرف حقيقة الإخلاص، وحقيقة العبودية، وبلغ الدرجة العليا في العبودية لله،لم يبق هو المعيار والقدوة، فجاءت أجيالٌ من بعده انحرفت في مفهوم العبودية، ولم تعرف ما هي العبودية الصحيحة، ولا كيف تقدم العبودية لله عز وجل.
هذه الأجيال عندما جاءت ظنت أنَّ العبودية هي فقط أداء نوع من العبادات، فإذا أدَّاها وعمل بعدها ما عمل، أو أهمل في واجبه، أو ضيع في مسئولياته، أو أساء إلى إخوانه، أو أي شيء آخر، فلا شيء عليه مادام قد صلَّى، وحقق العبودية، هذا مما وقع فيه المسلمون ومما انحرفوا في فهمه، فلم يفهموا من العبودية إلا أنواعاً معينة، وتركوا أنواعاً أخرى.
كان الصحابة رضي الله عنهم، كما يقول بعضهم: {إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي }، فعندما ينام يحتسب هذه النومة هل هي عبادة؛ أم لا؟
لأنه يستعين بها على الطاعة، وهي القيام لصلاة الفجر، فالحياة كلها عبادة، والعمر كله عبادة، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162] فالحياة كلها عبادة لله عز وجل، وعمله كله ينصرف لله عز وجل، حتى اللقمة يضعها في فمِّ زوجته له بها أجر، وهي عبادة، حتى الرجل إذا أتى أهله، كما سأل الصحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر } إذا عفَّ نفسه عن النظر إلى الحرام، وعن ارتكاب الحرام، وعفَّ هذه المسلمة التي بين يديه، فهي عبودية.
وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يفهمون العبودية بالمعنى العام الواسع الشامل، ولذلك لما حققوا العبودية لله، حقق الله تعالى لهم عبودية العالمين من ملوك الفرس، وملوك الروم، ونحن الآن في القرن العشرين، هناك دولتان تتحكمان في العالم وتسيطران على مقدرات العالم في الشرق وفي الغرب، وفي عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعهد الصحابة كان هناك دولتان أيضاً، فكان الفرس في الشرق، والروم في الغرب، وكل منهما يتحكم في العالم، وكان أضيع الشعوب على الإطلاق هم شعوب قبائل الجزيرة العربية ، فلما جاء النور، وأنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاء الجيل الذي عرف العبودية لله، وحقق العبودية لله تعالى، جعل الله عز وجل ملوك هاتين الدولتين عبيداً لهؤلاء الأعراب، الذين كانوا أعراباً بالأمس، وخرجوا حفاة عراة، لماذا؟!
اعبد الله حق عبادته يُسخِّر لك الله عز وجل كل شيء، حتى في عملك اليومي.
إذا قمت في الصباح وجعلت الآخرة أكبر همك، جمع الله عز وجل همك، وأعطاك الخير وبارك لك، وإذا جعل الإنسان -والعياذ بالله- الدنيا أكبر همه، شتت الله همه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِبَ له.
فهذا الجيل الذي تجرد لله -عز وجل- وحقق العبودية لله عز وجل أخضع الله له العالمين، ولذلك جيء بملوك الروم وملوك الفرس مقيدين بالسلاسل إلى هذه البلاد الجرداء الصحراء، جاءوا عبيداً لمن عبدوا الله عز وجل حق عبادته، فلما ضيَّع المسلمون عبوديتهم لله عز وجل، أصبحوا هم -كما هو واقعنا الآن- عبيداً لهؤلاء الكفار، وما أكثر ما أخذ من بلاد المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إنَّ الله عز وجل يقول: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] هذا كان جواباً للصحابة رضي الله عنهم لما انهزموا يوم أحد، فكيف بنا الآن، فإذا حققنا عبودية الله عز جل حقق الله لنا النصر على العالمين.
يتبع في الرد



#2

افتراضي رد: خطبة عن العبودية الصحيحة

بداية الانحراف في مفهوم العبودية

نوع آخر من الانحراف في العبودية، أو من الانحراف في التعبد، وهو الضلال، فنحن عندما نقرأ الفاتحة هذه السورة العظيمة، نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] هذه قاعدة عامة نكررها دائماً، ولذلك نقول: (آمـين) هذا دعاء، يجب عندما نقرأه أن نتأمله دائماً في كل ركعة: ما معنى هذا الكلام؟

نقول: آمين على أن يهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم كما قال تعالى: فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69] لكن المغضوب عليهم من هم؟
الذين تمردوا عن عبادة الله، واستكبروا عن عبادة الله، وهم اليهود، كذلك الضالين الذين لم يحققو العبودية، وأتوا بعبودية منحرفة وهم النصارى.
فنحن نعوذ بالله من طريق هؤلاء وهؤلاء، نعوذ بالله من الحضارة الغربية من دينها، وطريقها التي تكبرت فيه على الله، وتمردت عليه، وأنكرت عبوديته.
كما نستعيذ بالله من عبودية الضلال والانحراف التي وقع فيها كثير من المسلمين وهي عبودية التصوف، فـالمتصوفة هؤلاء جاءوا بعبادات شرعوها من عند أنفسهم، لم يتعبدنا الله عز وجل بها، كل يوم يأتون ببدعة جديدة، ويقولون: هذا هو الدين، فمن يريد أن يتعبد، فليتعبد على هذا الدين، لا كما شرع الله عز وجل.
هذا الضلال الذي جاء به الصوفية أنتج انحرافات خطيرة في مفهوم العبودية، وفي تحقيق العبودية، فتركوا المال، ونفروا من الدنيا؛ لأنها كما قالوا: تصرف عن عبودية الله، وأرادوا أن يعبدوا الله كما شاءوا، فتعبدوه بالترانيم وبالغناء وبالأوراد التي لم يشرعها الله، ثم ذهب بهم الأمر قليلاً قليلاً حتى خرج أكثرهم عن مُسمَّى الإيمان أصلاً، ووقعوا في الشرك الأكبر وهم لا يشعرون.
فالله عز وجل -مثلاً- تعبدنا بقراءة القرآن، وفي الحديث {مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر } وعبودية قراءة القرآن من أعظم القربات، ومن أعظم أنواع التعبدات، فما الذي جعلته الصوفية كمثال مقابل لهذه العبادة؟!
جعلوا الأناشيد والأغاني مقابلها، فالأغنية نفسها التي ألقاها أو قالها شاعرٌ قديم من شعراء الحب والغزل، ويغنيها الدُّعار والفساق في أماكن لهوهم ولعبهم، هي نفسها التي تُغنَّى -مثلاً- في الموالد أو في الحضرات، أو ما يسمونه الخلوات، فتُغنَّى نفس الأغنية على أنها عبادة، كيف تعبدون الله بهذا؟
قالوا: لا، الذي يُغنيها هناك يغنيها بنية المحبوب الذي يريد، لكن نحن نغنيها بنية المحبوب الأعظم وهو الله.
فنقول لهم: هل نبعد الله بهذه الصورة؟
هل هذا مما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن نفس أغنية أبو فراس أو غيرها، تغنيها أم كلثوم ، هي نفسها التي يُتعَبد الله بها في المولد، بل حتى الأغاني التي في غزل النساء.
أما في الدول الأخرى فالمولد نفسه يحضره النساء والحضرة، وتغني -أيضاً- امرأة، نفس الأغنية التي تُغنى هنا، شيء عجيب! كيف تتعبدون الله عز وجل بهذا الشيء، بنفس الأغنية، والصورة، والنموذج، أنتم تضعون شرعاً من عند أنفسكم؟
نعم هم يضعون شرعاً من عند أنفسهم، بحجة أنهم أولياء لله عز وجل وأنَّ الله يقول: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، نعم! لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ولكن قال بعد ذلك: الذين آمنوا وكانوا يتقون [يونس:63] وهذه ليست من أعمال الإيمان، ولا من أعمال التقوى، خرجوا عن مجال التعظيم لله ورسوله إلى تعظيم الأفراد من دون الله عز وجل، وهو كما قلنا في عبودية تعظيم الأرباب من دون الله، الذي تقع فيه الجاهلية المعاصرة وهو مناقض لتوحيد الربوبية.
نماذج من الانحراف العصري
سمعنا من كثير من الإخوة أنه تقوم مظاهرات في بعض الدول -التي هي إسلامية في الأصل- وتقول: ماو ماو رب الكادحين، أي كانوا يقولون: إن ماوستوق -هذا الزعيم الشيوعي الذي هلك- رب الكادحين، فتعطى الربوبية لهذا الفرد، فهنا ربوبية عصرية في حق هذا الرجل العصري الذي جاء بهذا المذهب الوضعي.

هناك ربوبية أخرى يجعلها المتصوفة للشيخ، أو للقطب، أو للغيث، كما يسمونه، وهو أنه يشِّرع كما يشاء، حتى أن من يذنب ذنباً؛ لا بد أن يأتي إلى الشيخ ويستغفر له -والعياذ بالله- ويقول للشيخ: أنا تبت، فاستغفر لي يا شيخ، أو فاغفر لي يا شيخ والعياذ بالله.
هذان النموذجان من العبودية: عبودية الأرباب الذين نصبوا أنفسهم آلهة من دون الله عز وجل، يُشرِّعون، ويُحللون، ويُحرمون، ويضعون المناهج للبشرية الضائعة، والعبودية الأخرى وهي عبودية الذين أرادوا أن يعبدوا الله، فعبدوه على ضلال، ويدَّعون أنهم أولياء لله، ويزعمون أنهم هم المقربون إلى الله، وأن ما عداهم أهل البدعة، وأهل الضلال.
إن العبودية المنحرفة تحيط بالشباب المسلم من كل ناحية، وتكتنفه من كل جهة، وليس هناك من حلٍ لهذا الشباب إلا أن يعرف العبودية الصحيحة التي عَبَدَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه بها ربهم عز وجل.

المخرج يكون بالجهاد

ولنعلم أن أعلى درجات العبودية، ودرجات المحبة التي يدَّعيها هؤلاء الناس تكمن في الجهاد في سبيل الله -عز وجل- الذي هو ذروة سنام هذا الدين، يقول الله عز جل: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24] وفي هذا وعيد من الله عز وجل.

انظروا ماذا حل ببلاد المسلمين من النكبات ومن الذل! بسبب تركنا لعبودية الله، ومنها: ترك الجهاد في سبيل الله -عز وجل- ولو نظرنا أو تفكرنا في واقعنا الذي نعيشه جميعاً، وكلٌّ منا يتفكر، متى مر بك يوم من الأيام فقرأت الصحف أو سمعت نشرات الأخبار العالمية، ولم تسمع زلزالاً، أو فيضاناً، أو مجاعةً، أو انقلاباً، أو انفجاراً؟
أظن أنه لا يوجد يوم أبداً إلا وهذه البلايا تأتي، وهذه المصائب وهذه النكبات تمر، قد جلَّى الله عز وجل ذلك فقال وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:96] هذه نتيجة عدم الإيمان بالله عز وجل.
إنَّ العالم البشري نتيجة عدم تحقيق العبودية لله -عز وجل- ضربه الله تعالى بهذه المصائب، وبهذه النكبات التي لا تخلو منها نشرة أخبار، ولا يخلو منها بلد، ولا تخلو منها جريدة ولا مقال، هذه النكبات بذنوب العباد، بل كما قال الله عز وجل: وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
أليس في هذه النكبات عبرة؟! أليس فيها مجال للاعتبار لمن أراد أن يعتبر؟!
أليس هناك من يتذكر أو من يعي؟!
أليست هذه نُذرٌ للعذاب الأكبر الماحق، الذي سوف يدمر الله تعالى به هذا العالم، وهو القيامة الكبرى؟!
بل قبل ذلك قد يأتي عذابٌ أعظم وأطم، إذا ضللنا الطريق، وساد واستشرى الناس، وأوغلوا في الشهوات، وفي اللهو، وفي اللعب، وفي الغفلة عن الله عز وجل، وعن اليوم الآخر، ونسينا المهمة التي من أجلها جئنا.
المخرج يكون بالتفكر في النفس
كلنا أصحاب أعمال وأصحاب وظائف، ولو أن واحداً منا انتدب لمهمةٍ ما تتعلق بعمله إلى الرياض ، وذهب إلى الانتداب لهذه المهمة، أيعني هذا أنه لا يأكل، ولا يشرب، ولا ينام، ولا يمر على زميل له في الرياض ، كلا. يمكن هذا، لكن المهم أن يحقق الغرض الذي من أجله ذهب، وانتدب.

نحن جئنا في هذه الدنيا للعبادة ولتحقيق العبودية الصحيحة لله عز وجل، فالذي انتدب ثم ترك المهمة وذهب، فأكل، وشرب، ونام، ولعب، وسلَّم على من يحب، حتى جاءه فجأة الأمر بإنهاء الانتداب والرجوع، وما حقق شيئاً، فهل هذا يكرم؟
أم يهان؟
فنحن لماذا لا نفكر في أنفسنا، نحن جئنا لغرض، جئنا هذه الأيام المحسوبة والمعدودة التي أصبحت تمر كالدقائق، لماذا لم نتفكر أي عبودية حققنا فيها؟
هل هي عبودية الله، أم عبودية الشهوة، أم عبودية المنصب، أم عبودية الزوجة، أم عبودية الدرهم والدينار؟
ربما لو فكر كلٌ منا مع نفسه؛ لعرف الحق، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا [سبأ:46] أي التفكر في أمر الله عز وجل، وفي الغاية التي جئنا من أجلها، فإذا تفكرنا وجدنا أننا بعيدون عن العبودية لله، وأننا نقدمها لأرباب آخرين من دون الله.
التوبة والأوبة والرجوع إلى الله
فلنعد إلى العبودية الصحيحة، وهي ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشرعه، وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من التعبد لله عز وجل، وعبودية الجهاد في سبيل الله، وعبودية الإتقان في العمل، وعبودية إنكار المنكر؛ ولو أدى ذلك إلى التضحية؛ والخسارة -التي ظاهرها خسارة، وهي ربح أكبر- وعبودية الإحسان إلى الأهل بإعانتهم على تقوى الله ونصحهم عليها، وعبودية المعاملة بالحسنى مع إخواننا المسلمين، وعبودية الأمانة في كل شيء، وعبودية معرفة المسئولية كما في الحديث:{كلكم راع وكل راعٍ مسؤول عن رعيته } إن كنت مدرساً أو كنت قائداً، أينما كنت فأنت مسئول، ولذلك الجيل الذي فتح العالم، كان نوعاً فريداً؛ لأنه حقق العبودية لله عز وجل، كان قائد الجيش أول من يتقدم في المعركة، وكان في سبيل الله ولله، وكان الجيش يطيعه أيضاً؛ لأنها كلها لله، وفي سبيل الله، فلو أن كلاً منا جعل هذا الجيل الفريد قدوته، ونظر إلى نفسه، وقال: هل أنا أعمل لله؟
هل أؤدي هذا العمل في سبيل الله عز وجل؟
وهل أعامل من ولاني الله عز وجل أمره، أعامله لله، وفي ذات الله، وفي سبيل الله؟
لا بد أن نتفكر في هذا، وإلا قد نُسأل ونفاجئ، ويأتي الموت، وحينئذٍ لا يملك الإنسان الاعتذار، وما هذه الحياة الدنيا؛ إذا جاء الموت ووافى الأجل، إلا كالحلم الذي ينقضي، فيفيق الإنسان، ويقول: رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100] فيقال له: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100] انتهى الأمر، لا ينفع تمني العودة؛ لأن الله عز وجل يقول: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] فأعطانا الله تعالى العمر، وأعطانا التذكر، والتدبر، وخاصة ونحن -الحمد لله- على مستوى من العلم، والموعظة، وسماع الذكر، وقراءة القرآن، ولسنا كإخواننا المسلمين في إفريقيا ، الذين يعيشون في مجاعة وتشرد وتعب، أو في أطراف الهند .
نحن -والحمد لله- هنا بجوار الحرمين، والعلم عندنا، والقرآن بين أيدينا وبلغتنا، فكيف نُعِرْضُ عنه؟
وإن لم نطبقه نحن، وإن لم نحقق ما جاء به ونحقق العبودية لله عز وجل، فأي شعب نتوقع أن يحققها؟
وإن لم نتمثلها نحن كإخوة مدنيين وعسكريين وموظفين وطلاب، فمن نتوقع أنه يحقق هذا الدين؟
والله عز وجل قد توعد وعيداً شديداً قاطعاً، فقال: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] وقد حصل هذا عندما ترك العرب هذا الدين وتخاذلوا، وعبدوا المناصب والدنيا؛ فجاء الأتراك وفتحوا العالم، ثم جاء الهنود، وجاءت الشعوب وتولت أمر المسلمين، وفتح الله بها العالم.
فيجب أن نعي هذه الحقيقة، ويجب أن نتدبرها، وأن نتفكرها جميعاً، وأن نعظ أنفسنا أولاً، ونعظ إخواننا ومن نستطيع بها، وأن نعتبرها واجباً فردياً عينياً علينا جميعاً، أن نذكر أنفسنا بما أمر الله وبما أنزل الله تبارك وتعالى.
نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وممن يحققون العبودية الخالصة الصحيحة لله عز وجل.

#3

افتراضي رد: خطبة عن العبودية الصحيحة

تسلمي حبيبتي

اللهم صل علي النبي

إظهار التوقيع
توقيع : sweet flower
#4

افتراضي رد: خطبة عن العبودية الصحيحة

بارك الله فيكي

رد: خطبة عن العبودية الصحيحة

إظهار التوقيع
توقيع : الملكة نفرتيتي
#5

افتراضي رد: خطبة عن العبودية الصحيحة

حبيباتي
سلمت الأيادي

وشكراً جزيلاً على المرور والإطراء
ونورتم التويبك
وجزيتم خيراً
ومع ودي وتقديري

#6

افتراضي رد: خطبة عن العبودية الصحيحة

بارك الله فيكي يا قمر

إظهار التوقيع
توقيع : قوت القلوب 2


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
إنتبهوا كلمات تقولونها وهي كلمات للجن ايمان المقصبي منوعات x منوعات - مواضيع مختلفة
العقيدة الاسلامية الصحيحة , تعرفي علي العقيدة الاسلامية الصحيحة لؤلؤة الحَياة العقيدة الإسلامية
انتبهوا ترا دايم نقول كلام ماندري وش يعني !! صمت الورود حكم واقـوال
خطبة الجمعة بين الإطالة والإقصار حياه الروح 5 المنتدي الاسلامي العام
مختصر لمسائل العقيدة الصحيحة للمسلم وما يضادها من العقائد الباطلة قوت القلوب 2 العقيدة الإسلامية


الساعة الآن 02:17 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل