بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير قوله تعالى
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ }
الأعراف 96- 99
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
أما بعد :
فمما تلي في هذه الليلة قوله تعالى :
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ{96} أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ{97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ{98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{99}
قوله تعالى :
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ }
بالإيمان والتقوى تسعد المجتمعات ويعم الأمن ويعم والرخاء ، وليست هذه الآية هي الدليل الوحيد بل هناك أدلة كثيرة ، منها قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم }المائدة66، ومنها قوله تعالى { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }
ولو قال قائل :
ذكر هنا الإيمان والتقوى أليس التقوى من الإيمان ، والإيمان من التقوى ؟
الجواب / بلى ، لا شك أن الإيمان تقوى ، والتقوى إيمان ، لكن ذكرا من باب أن يبين عز وجل أن الإيمان لا ينفع إلا إذا كان معه عمل ، ولذلك يفرده عز وجل بالذكر { الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } مع أن العمل الصالح من الإيمان .
أو من باب أن يبين أن الإيمان هو ما يتعلق بالباطن والتقوى ما يتعلق بالظاهر ، فيكون الإنسان من حيث الباطن ومن حيث الظاهر على حالة ترضي الله عز وجل ، فإذا كان على هذه الحال فليبشر بموعود الله عز وجل ، ما هو موعود الله عز وجل ؟
{ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ } وفي قراءة بالتشديد { لفتَّحنا }
ولم يذكر بركة وإنما قال { بَرَكَاتٍ } ولا تسأل عن أنواع هذه البركات وأنواعها وأجناسها وأحوالها ، عممها عز وجل ، من أين تأتي هذه البركات ؟ { مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ } شريطة ان يتحقق هذان الأمران الإيمان والتقوى ، ولا يقل
أحد إن هناك من اتصف بالإيمان والتقوى ولم يحصل له مثل هذا الأمر ، وهناك أناس عصوا الله عز وجل واتسعت أرزاقهم ، لا يقل أحد مثل هذا القول ، لأن البركة ليست محصورة في المحسوسات أي في الشيء الذي يحس – لا – تجد لدى بعض الناس مال كثير لكنه في شقاوة ، قال تعالى {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ }التوبة55
يقول ابن القيم رحمه الله : " يعذبهم الله عز وجل بأموالهم في الدنيا ثلاث مرات ، عذاب من أجل أن يجمعوا هذا المال ، وإذا جمعوه تعذبوا بأن يزيدوا في هذا المال ثم يأتي عذاب ثالث وهو المحافظة على هذا المال حتى لا يذهب وحتى لا يزول "
وقد يعطى الإنسان مالا قليلا لكن تكون معه البركة ، ثم إن هناك من المؤمنين المتقين من يُضيَّق عليه لأن الله عز وجل أراد به خيرا من هذا الخير الذي وعد به في الدنيا وهو الخير في الآخرة ، ألم يوعك النبي صلى الله عليه وسلم كما يوعك الرجلان ؟ بلى ، لرفعة درجاته ، ألم يشدد عليه في سكرات الموت مع أنه عليه الصلاة والسلام قال في حديث البراء ( إن المؤمن تخرج روحه كما تخرج القطرة من في السقاء ) مثل ما تنزل قطرة الماء من القربة ، ما أسهل خروجها ، ومع ذلك شدد على النبي صلى الله عليه وسلم ، لا ذنوب ولا لتقصير منه عليه الصلاة والسلام وإنما لرفعة درجاته ، ألم يشج في غزوة أحد ؟ ألم تكسر رباعيته صلوات ربي وسلامه عليه في غزوة أحد ؟ بلى ، كل هذا من أجل أن ترفع درجاته ، ولكن من حيث الأصل فالإنسان لن يحصل على خير وبركة إلا بالإيمان والتقوى .
قال عز وجل :
{ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ }
كثير من المفسرين يقول { بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ } المطر
{ وَالأَرْضِ } الزرع ، لا شك أن هذا القول في محله ، ولكن الآية لم تذكر شيئا من ذلك ، بل الآية عممت ، وأذكر لكم بعض الأمثلة ، هناك امرأة يقال لها أم أيمن وهي حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ، كانت أمةً عند أبي النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ، فلما توفي أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت وفاة أبيه والنبي صلى الله عليه وسلم حمل في بطن أمه ، تولت حضانته أم أيمن وهي بركة بنت ثعلبة ، فلما كبر عليه الصلاة والسلام أعتقها وزوجها زيد بن حارثة وولدت منه أسامة بن زيد رضي الله عنهما .
الشاهد من هذا : أن هذه المرأة كما ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء وابن حجر في الإصابة " أنها خرجت من مكة إلى المدينة لتهاجر بدينها من دولة الشرك إلى دولة الإسلام ، وكانت صائمة ، فلما بلغت الروحاء – وهو مكان بين مكة والمدينة يبعد عن المدينة ستة وثلاثين ميلا – أصابها العطش الشديد فكادت أن تهلك وليس معها ماء ، فلما أشرفت على الهلاك " خرجت من أجل ماذا ؟ من أجل الدين ، من أجل أن تحافظ على إيمانها وتقواها " فلما بلغت ما بلغت من العطش وكادت أن تهلك دلي عليها بدلو من السماء فشربت منه ، فنجاها الله عز وجل ، فمضت الأيمان والسنون وكانت تصوم رضي الله عنها حتى قالت ( إني أصوم في اليوم شديد الحرارة وأتعرض للشمس كي ما أعطش فما أعطش )
هذه بركة .
يتبع