فَصْلٌ
(فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ)
----------------------------------------------
* كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ
قَالَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَبْلَهَا ،
* وَلَا تَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ الْبَتَّةَ ،
وَلَا قَالَ أُصَلِّي لِلَّهِ صَلَاةَ كَذَا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا ،
وَلَا قَالَ أَدَاءً وَلَا قَضَاءً وَلَا فَرْضَ الْوَقْتِ ،
* وَهَذِهِ عَشْرُ بِدَعٍ لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَحَدٌ قَطُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ ،
وَلَا مُسْنَدٍ وَلَا مُرْسَلٍ لَفْظَةً وَاحِدَةً مِنْهَا الْبَتَّةَ ،
بَلْ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ،
وَلَا اسْتَحْسَنَهُ أَحَدٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَا الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ،
* وَإِنَّمَا غَرَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ : إِنَّهَا لَيْسَتْ كَالصِّيَامِ ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا بِذِكْرٍ ،
فَظَنَّ أَنَّ الذِّكْرَ تَلَفُّظُ الْمُصَلِّي بِالنِّيَّةِ ،
_وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالذِّكْرِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَيْسَ إِلَّا ،
وَكَيْفَ يَسْتَحِبُّ الشَّافِعِيُّ أَمْرًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَهَذَا هَدْيُهُمْ وَسِيرَتُهُمْ ، فَإِنْ أَوْجَدَنَا أَحَدٌ حَرْفًا وَاحِدًا عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ قَبِلْنَاهُ وَقَابَلْنَاهُ بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبُولِ ، وَلَا هَدْيَ أَكْمَلُ مِنْ هَدْيِهِمْ ، وَلَا سُنَّةَ إِلَّا مَا تَلَقَّوْهُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
--------------------------------------------
*وَكَانَ دَأْبُهُ فِي إِحْرَامِهِ لَفْظَةَ ( اللَّهُ أَكْبَرُ ) لَا غَيْرَهَا ،
وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْهُ سِوَاهَا .
*( وَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَهَا مَمْدُودَةَ الْأَصَابِعِ مُسْتَقْبِلًا بِهَا الْقِبْلَةَ إِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ )
وَرُوِيَ : إِلَى مَنْكِبَيْهِ فأبو حميد الساعدي وَمَنْ مَعَهُ قَالُوا : حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا الْمَنْكِبَيْنِ ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ .
وَقَالَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ : إِلَى حِيَالِ أُذُنَيْهِ .
وَقَالَ البراء : قَرِيبًا مِنْ أُذُنَيْهِ .
وَقِيلَ : هُوَ مِنَ الْعَمَلِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ ، وَقِيلَ : كَانَ أَعْلَاهَا إِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ وَكَفَّاهُ إِلَى مَنْكِبَيْهِ ، فَلَا يَكُونُ اخْتِلَافًا ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي مَحَلِّ هَذَا الرَّفْعِ .
*ثُمَّ يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ الْيُسْرَى .
*وَكَانَ يَسْتَفْتِحُ تَارَةً بِ
( اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ )
وَتَارَةً يَقُولُ :
( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي ، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعَهَا ، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَ الْأَخْلَاقِ لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْكَ ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ )
_وَلَكِنَّ الْمَحْفُوظَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِفْتَاحَ إِنَّمَا كَانَ يَقُولُهُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ .
وَتَارَةً يَقُولُ :
( اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .
وَتَارَةً يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ . ) الْحَدِيثَ .
وَتَارَةً يَقُولُ : ( اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ، سُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ، سُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ . ) .
وَتَارَةً يَقُولُ : ( اللَّهُ أَكْبَرُ ، عَشْرَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ يُسَبِّحُ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ يَحْمَدُ عَشْرًا ، ثُمَّ يُهَلِّلُ عَشْرًا ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ عَشْرًا ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي ، عَشْرًا ثُمَّ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الْمُقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، عَشْرًا .
فَكُلُّ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ صَحَّتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
-----------------------------------------------------
_وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ( كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ ، وَتَعَالَى جَدُّكَ ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ )
ذَكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ علي بن علي الرفاعي ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي ، عَنْ أبي سعيد عَلَى أَنَّهُ رُبَّمَا أَرْسَلَ .
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي قَبْلَهُ أَثْبَتُ مِنْهُ ، _وَلَكِنْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِهِ فِي مَقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجْهَرُ بِهِ وَيُعَلِّمُهُ النَّاسَ ،
_وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : أَمَّا أَنَا فَأَذْهَبُ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ عمر ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَفْتَحَ بِبَعْضِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الِاسْتِفْتَاحِ كَانَ حَسَنًا .
_وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا لِعَشَرَةِ أَوْجُهٍ قَدْ ذَكَرْتُهَا فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى .
_مِنْهَا : جَهْرُ عمر بِهِ يُعَلِّمُهُ الصَّحَابَةَ .
_وَمِنْهَا : اشْتِمَالُهُ عَلَى أَفْضَلِ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَقَدْ تَضَمَّنَهَا هَذَا الِاسْتِفْتَاحُ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ .
_وَمِنْهَا : أَنَّهُ اسْتِفْتَاحٌ أَخْلَصُ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ ، وَغَيْرُهُ مُتَضَمِّنٌ لِلدُّعَاءِ ، وَالثَّنَاءُ أَفْضَلُ مِنَ الدُّعَاءِ ، وَلِهَذَا كَانَتْ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ، لِأَنَّهَا أُخْلِصَتْ لِوَصْفِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا كَانَ " سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ " أَفْضَلَ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ ، فَيَلْزَمُ أَنَّ مَا تَضَمَّنَهَا مِنَ الِاسْتِفْتَاحَاتِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الِاسْتِفْتَاحَاتِ .
_وَمِنْهَا : أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الِاسْتِفْتَاحَاتِ عَامَّتُهَا إِنَّمَا هِيَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ فِي النَّافِلَةِ ، وَهَذَا كَانَ عمر يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُهُ النَّاسَ فِي الْفَرْضِ .
_وَمِنْهَا : أَنَّ هَذَا الِاسْتِفْتَاحَ إِنْشَاءٌ لِلثَّنَاءِ عَلَى الرَّبِّ تَعَالَى مُتَضَمِّنٌ لِلْإِخْبَارِ عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ ، وَالِاسْتِفْتَاحُ بِ " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ " إِخْبَارٌ عَنْ عُبُودِيَّةِ الْعَبْدِ ، وَبَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ مَا بَيْنَهُمَا .
_وَمِنْهَا : أَنَّ مَنِ اخْتَارَ الِاسْتِفْتَاحَ بِ " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ " لَا يُكْمِلُهُ ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ بِقِطْعَةٍ مِنَ الْحَدِيثِ وَيَذَرُ بَاقِيَهُ ، بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ بِ ( سُبْحَانِكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ) فَإِنَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ يَقُولُهُ كُلَّهُ إِلَى آخِرِهِ .
-----------------------------------------------
* وَكَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ :
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ،
ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ،
وَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَارَةً ،
وَيُخْفِيهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَجْهَرُ بِهَا )
_ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْهَرُ بِهَا دَائِمًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَبَدًا حَضَرًا وَسَفَرًا ،
وَيَخْفَى ذَلِكَ عَلَى خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَعَلَى جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ
وَأَهْلِ بَلَدِهِ فِي الْأَعْصَارِ الْفَاضِلَةِ ،
---------------------------------------------------
* وَكَانَتْ قِرَاءَتَهُ مَدًّا
يَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَيَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ .
فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ قَالَ " آمِينَ "
فَإِنْ كَانَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ وَقَالَهَا مَنْ خَلْفَهُ
*وَكَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ؛
سَكْتَةٌ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ ، وَعَنْهَا سَأَلَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ ،
_ وَاخْتُلِفَ فِي الثَّانِيَةِ ؛ فَرُوِيَ أَنَّهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ .
_ وَقِيلَ إِنَّهَا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ .
_وَقِيلَ : هِيَ سَكْتَتَانِ غَيْرُ الْأُولَى فَتَكُونُ ثَلَاثًا ،
_وَالظَّاهِرُ إِنَّمَا هِيَ اثْنَتَانِ فَقَطْ ،
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَطِيفَةٌ جِدًّا لِأَجْلِ تَرَادِّ النَّفَسِ ،
----------------------------------------------
* وَلَمْ يَكُنْ يَصِلُ الْقِرَاءَةَ بِالرُّكُوعِ بِخِلَافِ السَّكْتَةِ الْأُولَى ،
فَإِنَّهُ كَانَ يَجْعَلُهَا بِقَدْرِ الِاسْتِفْتَاحِ ،
وَالثَّانِيَةُ قَدْ قِيلَ : إِنَّهَا لِأَجْلِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ ،
_ فَعَلَى هَذَا : يَنْبَغِي تَطْوِيلُهَا بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِلرَّاحَةِ وَالنَّفَسِ فَقَطْ وَهِيَ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ ، فَمَنْ لَمْ يَذْكُرْهَا فَلِقِصَرِهَا ، وَمَنِ اعْتَبَرَهَا جَعَلَهَا سَكْتَةً ثَالِثَةً ، فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَهَذَا أَظْهَرُ مَا يُقَالُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ .
وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ السَّكْتَتَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ سمرة ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، ذَكَرَ ذَلِكَ أبو حاتم فِي " صَحِيحِهِ " ، وسمرة هو ابن جندب ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ أَحَدَ مَنْ رَوَى حَدِيثَ السَّكْتَتَيْنِ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ ،
وَقَدْ قَالَ : ( حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكْتَتَيْنِ سَكْتَةً إِذَا كَبَّرَ وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) )
وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ ؛
فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ سَكَتَ ،
وَهَذَا كَالْمُجْمَلِ ، وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ مُفَسِّرٌ مُبَيِّنٌ ،
وَلِهَذَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ :
لِلْإِمَامِ سَكْتَتَانِ ، فَاغْتَنِمُوا فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛
إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَإِذَا قَالَ :
" وَلَا الضَّالِّينَ " عَلَى أَنَّ تَعْيِينَ مَحَلِّ السَّكْتَتَيْنِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ تَفْسِيرِ قتادة ، فَإِنَّهُ رَوَى الْحَدِيثَ عَنِ الحسن عَنْ سمرة قَالَ : سَكْتَتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عمران فَقَالَ : حَفِظْنَاهَا سَكْتَةً ، فَكَتَبْنَا إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بِالْمَدِينَةِ ، فَكَتَبَ أبي أَنْ قَدْ حَفِظَ سمرة ، قَالَ سعيد : فَقُلْنَا لقتادة : مَا هَاتَانِ السَّكْتَتَانِ ؟ قَالَ : إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ، وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَإِذَا قَالَ ( وَلَا الضَّالِّينَ ) .
قَالَ : وَكَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَتَرَادَّ إِلَيْهِ نَفَسُهُ ، وَمَنْ يَحْتَجُّ بالحسن عَنْ سمرة يَحْتَجُّ بِهَذَا .
-------------------------------------
* فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْفَاتِحَةِ أَخَذَ فِي سُورَةٍ غَيْرِهَا ،
* وَكَانَ يُطِيلُهَا تَارَةً وَيُخَفِّفُهَا لِعَارِضٍ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ ،
*وَيُتَوَسَّطُ فِيهَا غَالِبًا .
*وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِنَحْوِ سِتِّينَ آيَةً إِلَى مِائَةِ آيَةٍ ،
*وَصَلَّاهَا بِسُورَةِ ( ق ) وَصَلَّاهَا بِ ( الرُّومِ ) وَصَلَّاهَا بِ ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) وَصَلَّاهَا بِ ( إِذَا زُلْزِلَتِ ) فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلَيْهِمَا ، وَصَلَّاهَا بِ ( الْمُعَوِّذَتَيْنِ ) وَكَانَ فِي السَّفَرِ ، وَصَلَّاهَا فَافْتَتَحَ بِ ( سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ )
_ حَتَّى إِذَا بَلَغَ ذِكْرَ مُوسَى وَهَارُونَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ .
_وَكَانَ يُصَلِّيهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِ ( الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ ) وَسُورَةِ ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ) كَامِلَتَيْنِ ،
_ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ مِنْ قِرَاءَةِ بَعْضِ هَذِهِ وَبَعْضِ هَذِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ،
_وَقِرَاءَةِ السَّجْدَةِ وَحْدَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ .
_وَأَمَّا مَا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ أَنَّ صُبْحَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فُضِّلَ بِسَجْدَةٍ فَجَهْلٌ عَظِيمٌ ، وَلِهَذَا كَرِهَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ قِرَاءَةَ سُورَةِ السَّجْدَةِ لِأَجْلِ هَذَا الظَّنِّ ،
= وَإِنَّمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ لِمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ ، وَخَلْقِ آدَمَ ، وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ،
_ وَذَلِكَ مِمَّا كَانَ وَيَكُونُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَكَانَ يَقْرَأُ فِي فَجْرِهَا مَا كَانَ وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَذْكِيرًا لِلْأُمَّةِ بِحَوَادِثِ هَذَا الْيَوْمِ ، كَمَا كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَجَامِعِ الْعِظَامِ كَالْأَعْيَادِ وَالْجُمُعَةِ بِسُورَةِ ( ق ) وَ ( اقْتَرَبَتْ ) وَ ( سَبِّحْ ) وَ ( الْغَاشِيَةِ ) .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
------------------
المراجع
زاد المعاد لابن القيم