أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

130003 معركة ديو البحرية , إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي

معركة ديو البحرية , إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي

متى بدأت راية الدولة الإسلامية تختفي على المستوى الدولي؟ سؤال له إجابات عديدة من قبل المستشرقين والمؤرخين، فالبعض يرى أن ذلك حدث بتفتت السلطة المركزية للدولة الإسلامية، بينما يرى آخرون أنه نتاج لظهور القوى العظمى الأخرى في الوقت الذي ضعفت فيها الكيانات الإسلامية بصفة عامة، ويقدم آخرون رؤيتهم بأن الدولة الإسلامية خفتت إثر تفتتها السياسي إلى كيانات متناحرة أغلب الوقت ومتحدة في الاستثناءات، ولا خلاف على أن كل هذه الإجابات تحمل في طياتها كثيرا من الصدق، ولكنها غير كافية لشرح هذا الانحدار التدريجي لهذه القوة على المستوى الدولي منذ ظهور الدولة الإسلامية وحتى نهاية الدولة العثمانية، فمن منظور العلاقات الدولية فإن هناك سببا آخر لم يعطه المؤرخون، في تقديري، البحث الكافي، وهو أن الدولة أو الدول الإسلامية المتعاقبة لم تهتم، بالشكل الكافي، بالقوة البحرية، واكتفت بدورها على الاعتماد على القوة البرية التي كان لها دورها الهام بطبيعة الحال، ولكن مع المتغيرات الدولية في نهاية القرن الخامس عشر أصبحت القوة البرية وحدها غير كافية للعب الدور الدولي المأمول عندما أصبحت الصراعات الدولية الحاسمة تقع خارج أقاليم هذه القوى، ولكنها أثرت عليها في الوقت نفسه، ويمكن بداية ربط هذه الحقيقة بعصر الاكتشافات الجغرافية، التي لم يكن للعرب أو الخلافة الإسلامية دور يُذكر فيها، بل كانت مهمشة تماما.

معركة ديو البحرية , إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي

لقد بدأت أوروبا عصر الاكتشافات الجغرافية، فكانت البرتغال في مطلعها بفضل الأمير «هنري الملاح» الذي اهتم كثيرا بتطوير قدرات بلاده البحرية، والسعي لاكتشاف الطرق البحرية الجديدة والعالم الجديد، فبدأت الاستكشافات تتوالى، خاصة في غرب أفريقيا، ثم اكتشف «دياز» طريق رأس الرجاء الصالح، ومن بعده وصل «فاسكو دي جاما» إلى الهند عبر طريق الرجاء، وبدأت البرتغال تتوسع تدريجيا في شرق أفريقيا وتقيم موانئها في الجزيرة العربية، إلى أن احتلت مضيق هرمز ومنه اتجهت إلى غرب الهند لتقيم رؤوسا تجارية لها وتبدأ في تغيير الخريطة التجارية الدولية بشكل مفاجئ.

معركة ديو البحرية , إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي

وفي هذه الأثناء قبع المماليك في مصر في حالة من الفوضى وسوء الإدارة، معتمدين على الدور التجاري الهام لمصر في طريق التجارة الدولية، وعلى تحالفها التقليدي مع الجمهوريات التجارية الهامة في إيطاليا، على رأسها البندقية، التي كانت تقبل في ذلك الوقت العملة المصرية وتتداولها نظرا للترابط التجاري مع مصر، حيث كانت التجارة الشرقية تمر عبر الهند ومنها إلى البحر الأحمر ومن بعده عبر الجمال إلى موانئ البحر المتوسط ثم إلى أوروبا، وكانت الدولة المملوكية تعتمد على المكوس أو الجمارك على هذه السلع كدخل أساسي لها بعدما فشل الكثير من سلاطينها في تحسين أوضاع البلاد والنهوض بها كما كان متوقعا لدولة بها كل مقومات القوة مثل مصر، ولكن التجارة صارت في خطر كبير بعدما اكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح، وسعوا لجعله الطريق الأساسي لمرور تجارة الحرير والتوابل منه إلى أوروبا، وأصبحت الدولة المملوكية في مصر في خطر استراتيجي كبير خاصة بعدما استولى البرتغاليون على مدينة سومطرة في مدخل البحر الأحمر، وأصبحت تجارتهم في خطر؛ ولكن المماليك لم يكونوا وحدهم مهددين من هذه التطورات، بل إن الدولة العثمانية الفتية التي كانت تستعد لترث الخلافة الإسلامية تأثرت هي أيضا بسبب فرضية تغيير مسار التجارة الدولية؛ لأن الطريق الجديد أصبح يهدد الطريق البري التقليدي للتجارة نفسها من الصين إلى أوروبا، وهنا تلاقت مصالح هذه الدولة مع الدولة المملوكية في مطلع القرن السادس عشر ومعهما الجمهوريات التجارية الأوروبية، فضلا عن جمهورية «كجرات» في شمال شرقي الهند، التي بدأت تعاني من التهميش البرتغالي بعد أن كانت تجارتها مزدهرة، وبدا من الضروري إيجاد تسوية لهذه المشكلة الحقيقية التي باتت تهددهم جميعا.

معركة ديو البحرية , إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي

وكان الحل المتاح أمامهم جميعا هو الاتحاد، خاصة بعدما أوفدت البندقية مراسيلها لبناء هذا التحالف، وأبدت استعدادا كبيرا للمساهمة في النشاط العسكري للتخلص من الخطر البرتغالي الجديد، وهو ما أسفر عن تحالف منطقي قامت على أثره البندقية بتمويل جزء كبير من الجهد البحري لإرسال السفن الحربية إلى مصر بمساعدة عثمانية في العدة والعتاد وتوفير بعض الجنود، وبالفعل وصلت السفن إلى موانئ البحر المتوسط وتم تفكيكها، ومنها إلى البحر الأحمر، وتم وضع الأسطول تحت قيادة «حسين الكردي»، وتم إرساله إلى مدينة «ديو» البحرية في عام 1507 ميلادية لحلفائهم في جمهورية «كجرات» استعدادا لحسم معركة التجارة العالمية في المحيط الهندي، وقد جاءت المبشرات الأولية إيجابية للأسطول المملوكي؛ فقد دخل في معركة هامة للغاية مع البرتغاليين عرفت تاريخيا بمعركة «شاول CHAUL» وكانت النتيجة هزيمة القوة البحرية البرتغالية التي كان يقودها ابن الوالي البرتغالي «الميدا» الذي قتل في المعركة، وهو ما جعل والده مصمما على الثأر له بكل ثمن إلى الحد الذي دفعه لرفض قرار ملك البرتغال بتغييره ووضع حاكم برتغالي جديد بدلا منه، وذلك لحين الثأر لابنه.

معركة ديو البحرية , إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي

وهكذا أصبحت المعركة الفاصلة مسألة وقت بين البرتغاليين والتحالف المملوكي، فكانت معركة «ديو البحرية» في الثاني من فبراير (شباط) عام 1509م أو 915 هجرية، وقد كانت في حقيقة الأمر محسومة لصالح البرتغاليين رغم التفوق النسبي في عدد السفن والمقاتلين لصالح المماليك، وذلك لأن البرتغاليين كانوا أكثر تقدما في بناء السفن والتكتيكات البحرية من نظرائهم المصريين أو حلفائهم من الهنود والعثمانيين، كما أن البحرية المملوكية لم تكن لديها القدرة على التفوق التكتيكي بسبب غياب المدفعية الثقيلة لأسباب مرتبطة بحجم السفن وهيكلها، وهو ما أعطى البرتغاليين التفوق الكامل، خاصة بعدما لجأ المماليك لمحاولة البقاء بالقرب من الشاطئ اعتمادا على غطاء المدفعية التي توفرها القاعدة العسكرية لميناء «ديو» في مواجهة التفوق البرتغالي، ولكن هذا أفقد الأسطول المملوكي القدرة على المناورة وتركه فريسة في أيدي «ألميدا» الذي استغل الظروف بقوة من خلال تنفيذ المناورات التي سمحت له بإنزال قواته في ميناء ديو ودحر القوات المتحالفة وهزيمتهم هزيمة منكرة، وقام بأسر ما استطاع من المماليك وقام بحرقهم والتنكيل بهم ثأرا لمقتل ابنه، واستولى على المدينة، ولكنه رفض إخضاعها لحكمه للتكلفة العالية للإبقاء عليها، ولكنه خلق منها حليفا بعدما أبقى تشكيلا عسكريا فيها، ولكنه أخذ منها ما يقرب من 300 ألف قطعة من الذهب ثمنا للهزيمة.





معركة ديو البحرية , إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي

لقد أدت هذه الهزيمة البحرية الثقيلة إلى نتائج دولية كبيرة، فلقد انفرد البرتغاليون بطريق التجارة الجديد في المحيط الهادي، مما سمح لهم بأن يمدوا نفوذهم من اليابان شرقا إلى البرازيل غربا، وسيطروا على طريق التجارة الآسيوية بعدما انخفضت أسعار التوابل والمنسوجات الحريرية الآسيوية الموردة إلى أوروبا، وقد نتج عن ذلك أيضا بداية انهيار القوى الأوروبية التجارية، وعلى رأسها البندقية وجمهورية «راجوسا» وهي ميناء «دوبروفنيك» اليوم، بينما انحصرت قوة العثمانيين في المتوسط وشرق أوروبا، وقد حاول السلطان سليمان القانوني تعديل الوضع في 1547 بإرسال قوة بحرية لضرب طريق التجارة البرتغالي، ولكنها هُزمت مرة أخرى. أما في مصر، فإن هذه الهزيمة مثلت نهاية الدور الذي لعبته على المستوى الدولي كقوة عظمى ومن بعدها لم تعد قوة دولية، واكتفى التاريخ بمنحها دورا قويا كقوة إقليمية فريدة بعد بناء مصر الحديثة على أيدي محمد علي في مطلع القرن التاسع عشر.

معركة ديو البحرية , إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي

إن معركة «ديو البحرية» هي في حقيقة الأمر تجسيد لحقائق عدة، لعل أهمها هو أن عصر العولمة بمفهومه الواسع قد بدأ مع الاستكشافات الجغرافية، ولم يكن لمصر أو القوة الإسلامية الأخرى، ممثلة في الدولة العثمانية، دور فيه، بل إنهما كانا على نقيض حركة التاريخ، وغير راغبتين في اللحاق بالحركة الدولية الجديدة، فلم يستثمرا في حركة التاريخ، واكتفيا بمحاولة وقف عجلته لأسباب تتعلق في الأساس بعدم القدرة على السيطرة على أدواته لغياب بُعد القوة البحرية القادرة في السياسة الدولية، فضلا عن ترك حركة الاستكشافات للغير، وهو ما أفقدهما الحصول على رأس المال الجديد الذي ولدته الثورة التجارية الدولية التي فجرت في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وهنا يمكن القول بأن الدولة المصرية والعثمانية وضعتا أرجلهما على أول طريق الخروج من الحلبة السياسية الدولية، الأولى بعد معركة «ديو» التي أعقبها وقوعها فريسة لتوسع الدولة العثمانية، والثانية عندما تقطعت أيديها البحرية بعد معركة «ليبانتو» البحرية الشهيرة في 1573 وانحسار مدها البري بعدها بعدة عقود.

معركة ديو البحرية , إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي
معركة ديو البحرية , إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي



إظهار التوقيع
توقيع : لؤلؤة الحَياة
#2

افتراضي رد: معركة ديو البحرية , إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي

موضوع مهم
تسلمى يا منوشة


إظهار التوقيع
توقيع : العدولة هدير
#3

افتراضي رد: معركة ديو البحرية , إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي

يسلمــــووووو يــا سكرتي

إظهار التوقيع
توقيع : حياه الروح 5


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
موسوعة معارك اسلامية(3) ريموووو شخصيات وأحداث تاريخية
شخصيات خلدها التاريخ I dO nOt CaRe شخصيات وأحداث تاريخية
أحداث خالدة في معركة " القادسيـة " , تعرفي علي معركة من اروع المعارك في التاريخ الاسلامي , ما اروع تاريخنا المجيد لؤلؤة الحَياة شخصيات وأحداث تاريخية
تحميل كتاب معركة المصحف في العالم الإسلامي للغزالي ريموووو كتب اسلامية


الساعة الآن 03:39 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل