اعيش فى بيت بناه اجدادى وورثناه جيلا بعد جيل
هذا البيت يطل على النيل و يحتل مساحه كبير على جناحه
كلما مر الوقت زاد عبق البيت جمالا
و توالدنا
فاجدادى منذ عهد قريب انجبوا الكثير من الاولاد
و انجب اولادهم الكثير من الاولاد ايضا
و تفرعت عائلتنا جدا
حتى صرنا لا نعرف كل اطراف العائله
و مع مرور الوقت و كثرت تناسل اطراف العائله صار هناك منا من يتقابلون ولا يسلمون على بعضهم بأى نوع من التحيه لانهم للاسف لا يعرفون انهم اقارب
و مع كل عهد يمر على البيت تتبدل الوجوه و يشاء كل من يسكن البيت ان يغير ملامحه و يضفى عليه صبغته الخاصه
اذكر انى سمعت من جدتى ام والدتى ان هناك احدا من اجدادى استعانوا بمقاول ليغير تصميم المنزل و عرض هذا المقاول ان يشترى البيت لكثرة ما اعجبه منه من موقع متميز و جو جميل
ففى بيت اجداى الجو فى الصيف دافئ و نسيم النيل يلطف الجو الحار و طالما استمتعنا بجلسه سمر فى شرفات المنزل
و طوابق المنزل متعدده و كل احد توارثه بنى فيه و اضفى ملامح احدها جميل و احدها صارخ او قبيح نوعا ما
و لكن على الرغم من اى زوق مشوة طال البيت او شروخ حدثت بجدرانه الا ان بيتنا يعد من أجمل و أقدم و أرقى البيوت فى كل المنطقه التى نقطن فيها
و بعد مشاورات عدة استقر اهل البيت على تعديل ال
ديكورات لتواكب العصر و اننا لن نبيعه و سنظل نتوارثه جيلا بعد جيل و ان نحافظ عليه ما حيينا
و لكن المقاول الخبيث فى قرارة نفسه حينما تعهد بعمل الديكورات كان ينوى ان ينتقم منا
و هدم احد اهم الاعمده فى البيت و للاسف اثر على البناء
و مع الاهمال و عدم الدرايه بقيمه البيت لم ينجح اى من الورثة فى ترميم ما أتلفه هذا المقاول الانتهازى الحقير
و أيضا مع مرور الوقت و كثر سكان المنزل حدثت تلفيات عدة فى البيت و كل منهم يتوقع من الآخر ان يستعين بأحدهم لاعمال صيانه الكهرباء او السباكه او احضار مشتروات البيت
و بدلا من ان يتقاسموا البيت و يترابطوا و يتعاونوا حدثت الوقيعه بينهم و حزن البيت على حاله و غضب من اهله
و صار بيتنا يوما بعد يوم يمتلئ بالعناكب و ظللت على شرفات البيت بنايات كبيرة بها عشرات الادوار حرمتنا من اشعة الشمس التى طالما نعمنا بها و هى تتللألأ على ضفتى النيل
و اختنق جو البيت بزحمه المرور و ضوضاء و جلبه من داخل و خارج البيت
و على الرغم من اننى لم اصعد من قبل الى طوابق البيت العلويه الا اننى ذات يوم قررت ان أتنزه بالبيت و القى السلام على أقاربى و أرى ما لم أره من قبل بحكم انشغالى بعملى و دراستى قبل العمل و سفرنا المتكرر ,و كانت علاقتى انا و اسرتى الصغيرة غير وطيدة بباقى العائله
على الرغم من اننا نسكن فى بيت واحد و نتنفس هواء واحد
و صعدت الدرج
و كنت أشعر و أنا أتحرك نحو الطوابق العلويه كأن هؤلاء الناس يسكنون فى بيتا آخر و كان لا يبدو عليهم بالمرة أنهم يسكنون نفس البيت الذى نسكن فيه...كانت الطوابق العلويه
كلما صعدت وجدتها مشرقه و جميل’ كأننى أنتقل من بيتنا العتيق الى قصر فخم و كلما صعدت وجدت مظاهر الأبهة و رغد العيش و الفخامة أكثر فأكثر كان هؤلاء الناس فى الطوابق العلويه يتبارون فى احضار كل ما هو غال و ثمين الى البيت وكأنهم قرروا أن يستمتعوا بكل دقيقه فى حياتهم حتى تدركهم اللحظه الأخيرة
و تعبت من الصعود فقررت أن أعود الى حيث أسكن مع اسرتى الصغيرة الكبيرة و لكنى ضللت طريقى الى طابقنا ووجدت أنى اهبط شيئا فشيئا الى الطوابق السفليه
و لو أكن أعلم عنها شيئا هى الأخرى
لقد كنت أسمع من والدىّ عن أخبار الطوابق العلويه و ان هناك طوابق سفليه مهمشه فى البيت لكنهم كانوا لا يهتمون بالحديث عنها و لذا لم أكثرت لأن أكتشفها لولا ما حصل و أن ساقاى حملتنى الى هناك
و استغربت كثيرا من المشهد الذى كان يزداد وحشة شيئا فشيئا...
وجدت در جات السلم محتطمه و قلت فى نفسى كيف يمكن للناس ان يصعدوا هذا الدرج و لا يفكروا فى اصلاحه ثم وجدت الضوء يخبو أكثر و رائحه عطنة تفوح من كل جانب
حتى شعرت أنى بالكاد أتنفس و كانت الجدران متصدعه و النمل و العناكب و كل انواع الحشرات التى عرفت أسمائها او لم اعرف تسكن كل الشقوق فشعرت بالخوف و هرعت أصعد الدرج و أنا خائفه و حزينه و قلبى يتألم من هول ما رأيت
فكيف يكسن هذا البيت الرائع هذه النامذج المتضاده من البشر
كيف تجمع بينهم صله القرابه و الدم و يعيشون تحت سقف واحد و كل منصرف الى شأنه و نسى آدمية أخاه فى الطابق السفلى
هل ترفعوا عن السؤال عنهم
أم خشوا على انفسهم من تقديم العون و المساعده اذا ما طلب منهم هذا يومنا
عدت الى مسكنى و أنا احمل فى قلبى حزن عميق على حال من انصرف الى هواه و نسى أن الدنيا ساعة
و حزنت على من لا يمكنهم العيش فى هذه الدنيا فى راحه و لو لمدة ساعة
منقولة