أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل



https://adlat.net/showthread.php?t=389417
275 1
#1

افتراضي تفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80


تفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

۞حتى لاتكوني هاجرة للقرآن الكريم اقرئي هذا الورد اليسير
تفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

تفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80
بســــــــــــــم الله الرحمن الرحيــــــــــــم

أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

" أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ " أي: في ميدان التسارع في أفعال الخير.
همهم ما يقربهم إلى الله, وإرادتهم مصروفة فيما ينجي من عذابه.
فكل خير سمعوا به, أو سنحت لهم الفرصة, انتهزوه وبادروه.
قد نظروا إلى أولياء الله وأصفيائه, أمامهم, ويمنة, ويسرة, يسارعون في كل خير, وينافسون في الزلفى عند ربهم, فنافسوهم.
ولما كان السابق لغيره المسارع, قد سبق لجده وتشميره, وقد لا يسبق لتقصيره, أخبر تعالى أن كل هؤلاء من القسم السابقين فقال: " وَهُمْ لَهَا " أي: للخيرات " سَابِقُونَ " قد بلغوا ذروتها, وتباروا, هم والرعيل الأول.
ومع هذا, قد سبقت لهم من الله, سابقة السعادة, أنهم سابقون.
ولما ذكر مسارعتهم إلى الخيرات, وسبقهم إليها, ربما وهم واهم, أن المطلوب منهم ومن غيرهم, أمر غير مقدور, أو متعسر, قال تعالى:
وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

" وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا " أي: بقدر ما تسعه, ويفضل من قوتها عنه.
ليس مما يستوعب قوتها, رحمة منه وحكمة, لتيسير طريق الوصول إليه, ولتعمر جادة السالكين في كل وقت إليه.
" وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ " وهو الكتاب الأول, الذي فيه كل شيء, وهو يطابق كل واقع يكون, فلذلك كان حقا.
" وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " أي لا ينقص من إحسانهم, ولا يزداد في عقوبتهم وعصيانهم.
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

يخبر تعالى أن هؤلاء المكذبين, في غمرة من هذا, أي: وسط غمرة من الجهل والظلم, والغفلة والإعراض, تمنعهم من الوصول إلى هذا القرآن, فلا يهتدون به, ولا يصل إلى قلوبهم منه شيء.
" وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا " .
فلما كانت قلوبهم في غمرة منه, عملوا بحسب هذا الحال, من الأعمال الكفرية, والمعاندة للشرع, ما هو موجب لعقابهم.
ولكن لهم " أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ " هذه الأعمال " هُمْ لَهَا عَامِلُونَ " .
أي: فلا يستغربوا عدم وقوع العذاب فيهم, فإن الله يمهلهم, ليعملوا هذه الأعمال, التي بقيت عليهم, مما كتب عليهم, فإذا عملوها, واستوفوها انتقلوا بشر حالة, إلى غضب الله وعقابه.
حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

" حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ " أي: متنعميهم, الذين ما اعتادوا إلا الترف, والرفاهية, والنعيم, ولم تحصل لهم المكاره.
فإذا أخذناهم " بِالْعَذَابِ " ووجدوا مسه " إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ " يصرخون, ويتوجعون, لأنه أصابهم أمر, خالف ما هم عليه.
لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لا تُنصَرُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

ويستغيثون, فيقال لهم: " لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ " .
وإذا لم تأتهم النصرة من الله, وانقطع عنهم الغوث من جانبه, لم يستطيعوا نصر أنفسهم, ولم ينصرهم أحد.
قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

فكأنه قيل: ما السبب الذي أوصلهم إلى هذه الحال؟ قال: " قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ " لتؤمنوا بها وتقبلوا عليها, فلم تفعلوا ذلك, بل " فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ " أي: راجعين القهقري إلى الخلف.
وذلك لأن باتباعهم القرآن, يتقدمون, وبالإعراض عنه, يستأخرون وينزلون إلى أسفل سافلين.
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

" مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ " قال المفسرون معناه: مستكبرين به.
الضمير يعود إلى البيت, المعهود عند المخاطبين, أو الحرم.
أي: متكبرين على الناس بسببه, تقولون: نحن أهل الحرم, فنحن أفضل من غيرنا, وأعلى " سَامِرًا " أي: جماعة يتحدثون بالليل حول البيت " تَهْجُرُونَ " أي: تقولون الكلام الهجر, الذي هو القبيح في هذا القرآن.
فالمكذبون كانت طريقتهم في القرآن, الإعراض عنه, ويوصي بعضهم بعضا بذلك " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ " وقال الله عنهم " أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ " " أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ " .
فلما كانوا جامعين لهذه الرذائل, لا جرم حقت عليهم العقوبة.
ولما وقعوا فيها, لم يكن لهم ناصر ينصرهم, ولا مغيث ينقذهم, ويوبخون عند ذلك بهذه الأعمال الساقطة " أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ " .
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

فلما كانوا جامعين لهذه الرذائل, لا جرم حقت عليهم العقوبة.
ولما وقعوا فيها, لم يكن لهم ناصر ينصرهم, ولا مغيث ينقذهم, ويوبخون عند ذلك بهذه الأعمال الساقطة " أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ " .
أي: أفلا يتفكرن في القرآن, ويتأملونه ويتدبرونه.
أي: فإنهم لو تدبروه, لأوجب لهم الإيمان, ولمنعهم من الكفر, ولكن المصيبة, التي أصابتهم, بسبب إعراضهم عنه.
ودل هذا, على أن تدبر القرآن, يدعو إلى كل خير, ويعصم من كل شر.
والذي منعهم من تدبره أن على قلوبهم أقفالها.
" أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ " أي: أو منعهم من الإيمان, أنه جاءهم رسول, وكتاب, ما جاء آبائهم الأولين.
فرضوا بسلوك طريق آبائهم الضالين, وعارضوا كل ما خالف ذلك.
ولهذا قالوا, هم ومن أشبههم من الكفار, ما أخبر الله عنهم: " وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ " .
فأجابهم بقوله: " قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ " .
فهل تتبعون إن كان قصدكم الحق.
فأجابوا بحقيقه أمرهم " قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ " .
أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

وقوله " أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ " أي: أو منعهم من اتباع الحق, أن رسولهم محمدا صلى الله عليه وسلم, غير معروف عندهم, فهم منكرون له؟ يقولون: لا نعرفه, ولا نعرف صدقه, دعونا ننظر حاله, نسأل عنه, من لديه خبره.
أي: لم يكن الأمر كذلك, فإنهم يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم, معرفة تامة, صغيرهم, وكبيرهم.
يعرفون منه كل خلق جميل, ويعرفون صدقه, وأمانته, حتى كانوا يسمونه قبل البعثة " الأمين " فلم لا يصدقونه, حين جاءهم بالحق العظيم, والصدق المبين؟.
أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

" أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ " أي: جنون, فلهذا قال ما قال, والمجنون, غير مسموع منه, ولا عبرة بكلامه, لأنه يهذي بالباطل, والكلام السخيف.
قال الله في الرد عليهم في هذه المقالة: " بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ " أي: بالأمر الثابت, الذي هو صدق وعدل, لا اختلاف فيه, ولا تناقض, فكيف يكون من جاء به, به جنة؟! وهلا يكون إلا في أعلى درجات الكمال, من العلم والعقل, ومكارم الأخلاق.
وأيضا, فإن في هذا, الانتقال, مما تقدم.
أي: بل الحقيقة التي منعتهم من الإيمان, أنه " جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ " .
وأعظم الحق الذي جاءهم به, إخلاص العبادة لله وحده, وترك ما يعبد من دون الله.
وقد علم كراهتهم لهذا الأمر, وتعجبهم منه.
فكون الرسول أتى بالحق, وكونهم كارهين للحق بالأصل, هو الذي أوجب لهم التكذيب بالحق, لا شكا ولا تكذيبا للرسول, كما قال تعالى: " فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ " .
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

فإن قيل: لم لم يكن الحق موافقا لأهوائهم لأجل أن يؤمنوا, أو يسرعوا الانقياد؟ أجاب تعالى بقوله: " وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ " .
ووجه ذلك, أن أهواءهم, متعلقة بالظلم, والكفر, والفساد, من الأخلاق, والأعمال.
فلو اتبع الحق أهواءهم, لفسدت السماوات والأرض, لفساد التصرف والتدبير, المبني على الظلم وعدم العدل.
فالسماوات والأرض, ما استقامتا إلا بالحق والعدل.
" بَلْ أَتَيْنَاهُمْ " أي: بهذا القرآن المذكر لهم, بكل خير, الذي به فخرهم وشرفهم, حين يقومون به, ويكونون به سادة الناس.
" فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ " شقاوة منهم, وعدم توفيق " نسوا الله فنسيهم, نسوا الله فأنساهم أنفسهم " .
فالقرآن ومن جاء به, أعظم نعمة ساقها الله إليهم, فلم يقابلوها إلا بالرد والإعراض, فهل بعد هذا الإيمان حرمان؟ وهل يكون وراءه إلا نهاية الخسران؟.
أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

أي: أو منعهم من اتباعك يا محمد, أنك تسألهم على الإجابة أجرا " فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ " يتكلفون من اتباعك, بسبب ما تأخذ منهم من الأجر والخراج.
ليس الأمر كذلك " فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " .
وهذا كما قال الأنبياء لأممهم " يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الله " .
أي: ليسوا يدعون الخلق, طمعا فيما يصيبهم منهم, من الأموال.
وإنما يدعونهم, نصحا لهم, وتحصيلا لمصالحهم, بل كان الرسل, أنصح للخلق من أنفسهم.
فجزاهم الله عن أممهم, خير الجزاء, ورزقنا الاقتداء بهم, في جميع الأحوال.
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

ذكر الله تعالى في هذه الآيات الكريمات, كل سبب موجب للإيمان, وذكر الموانع, وبين فسادها, واحدا بعد واحد.
فذكر من الموانع أن قلوبهم في غمرة, وأنهم لم يدبروا القول, وأنهم اقتدوا بآبائهم, وأنهم قالوا: برسولهم جنة, كما تقدم الكلام عليها.
وذكر من الأمور الموجبة لإيمانهم, تدبر القرآن, وتلقي نعمة الله بالقبول, ومعرفة حال محمد صلى الله عليه وسلم, وكمال صدقه وأمانته, وأنه لا يسألهم عليه أجرا, وإنما سعيه لنفعهم ومصلحتهم, وأن الذي يدعوهم إليه, صراط مستقيم.
وسهل على العاملين لاستقامته, موصل إلى المقصود, من قرب, حنيفية سمحة, حنيفية في التوحيد, سمحة في العمل.
فدعوتك إياهم إلى الصراط المستقيم, توجب لمن يريد الحق أن يتبعك.
لأنه مما تشهد العقول والفطر بحسنه, وموافقته للمصالح.
فأين يذهبون إن لم يتابعوك؟ فإنهم ليس عندهم, ما يغنيهم ويكفيهم عن متابعتك, لأنهم.
" عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ " متجنبون منحرفون, عن الطريق الموصل إلى الله, وإلى دار كرامته, ليس في أيديهم إلا ضلالات وجهالات.
وهكذا كل من خالف الحق, لا بد أن يكون منحرفا في جميع أموره.
قال تعالى: " فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ " .
" وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ "
هذا بيان لشدة تمردهم, وأنهم إذا أصابهم الضر, دعوا الله أن يكشف عنهم, ليؤمنوا, أو ابتلاهم بذلك, ليرجعوا إليه.
إن الله إذا كشف الضر عنهم, لجوا, أي: استمروا في طغيانهم يعمهون, أي: يجولون في كفرهم, حائرين مترددين.
كما ذكر الله حالهم عند ركوب الفلك, وأنهم يدعون مخلصين له الدين, وينسون ما يشركون به.
فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بالشرك وغيره.
وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

" وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ " قال المفسرون: المراد بذلك: الجوع الذي أصابهم سبع سنين, وأن الله ابتلاهم بذلك, ليرجعوا إليه, بالذل والاستسلام.
فلم ينجع فيهم, ولا نجح منهم أحد.
" فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ " أي: خضعوا وذلوا " وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " إليه ويفتقرون, بل مر عليهم ذلك, ثم زال, كأنه لم يصبهم, لم يزالوا في غيهم وكفرهم.
ولكن وراءهم, العذاب الذي لا يرد, وهو قوله:
حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

" حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ " كالقتل يوم بدر وغيره.
" إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ " آيسون من كل خير, قد حضرهم الشر وأسبابه.
فليحذروا قبل نزول عذاب الله الشديد, الذي لا يرد.
بخلاف مجرد العذاب, فإنه ربما أقلع عنهم, كالعقوبات الدنيوية, التي يؤدب الله بها عباده.
قال تعالى فيها: " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " .
وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

يخبر تعالى, بمنته على عباده الداعين لهم إلى شكره, والقيام بحقه فقال: " وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ " لتدركوا به المسموعات, فتنتفعوا في دينكم ودنياكم.
" وَالْأَبْصَارَ " لتدركوا بها المبصرات, فتنتفعوا بها في مصالحكم.
" وَالْأَفْئِدَةَ " أي: العقول التي تدركون بها الأشياء, وتتميزون بها عن البهائم.
فلو عدمتم السمع, والأبصار, والعقول, بأن كنتم صما عميا بكما ماذا تكون حالكم؟ وماذا تفقدون من ضرورياتكم وكمالكم؟.
أفلا تشكرون الذي من عليكم بهذه النعم, فتقومون بتوحيده وطاعته؟.
ولكنكم, قليل شكركم, مع توالي النعم عليكم.
وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

" وَهُوَ " تعالى " الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ " أي: بثكم في أقطارها, وجهاتها, وسلطكم على استخراج مصالحها ومنافعها, وجعلها كافية لمعايشكم, ومساكنكم.
" وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ " بعد موتكم, فيجازيكم.
بما عملتم في الأرض, من خير وشر.
وتحدث الأرض التي كنتم فيها, بأخبارها.
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

" وَهُوَ " تعالى وحده " الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ " أي: المتصرف في الحياة والموت, هو الله وحده.
" وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ " أي: تعاقبهما وتناوبهما.
فلو شاء أن يجعل النهار سرمدا, من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه؟ ولو شاء أن يجعل الليل سرمدا, من إله غير الله, يأتيكم بضياء أفلا تبصرون؟.
ومن رحمته, جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه, ولتبتغوا من فضله, ولعلكم تشكرون.
ولهذا قال هنا: " أَفَلَا تَعْقِلُونَ " فتعرفون أن الذي وهب لكم, من النعم, السمع, والأبصار, والأفئدة, والذي نشركم في الأرض, وحده, والذي يحيي ويميت وحده, والذي يتصرف بالليل والنهار, وحده, أن ذلك موجب لكم, أن تخلصوا له العبادة, وحده لا شريك له, وتتركوا عبادة من لا ينفع ولا يضر, ولا يتصرف بشيء, بل هو عاجز من كل وجه, فلو كان لكم عقل, لم تفعلوا ذلك.
بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

أي: بل سلك هؤلاء المكذبون, مسلك الأولين, من المكذبين بالبعث, واستبعدوه غاية الاستبعاد وقالوا: " أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ " أي: هذا لا يتصور, ولا يدخل العقل, بزعمهم.
قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80





لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

" لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ " أي: ما زلنا نوعد بأن البعث كائن, نحن وآباؤنا, ولم نره, ولم يأت بعد.
" إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ " أي: قصصهم وأسمارهم, التي يتحدث بها وتلهى, وإلا فليس لها حقيقة.
وكذبوا - قبحهم الله - فإن الله أراهم, من آياته أكبر من البعث.
ومثله, ما قاله الله تعالى " لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ " .
" وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ " الآيات " وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ " الآيات.
قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

أي: قل لهؤلاء المكذبين بالبعث, العادلين بالله غيره, محتجا عليهم بما أثبتوه, وأقروا به, من توحيد الربوبية, وانفراد الله بها على ما أنكروه, من توحيد الإلهية والعبادة, وبما أثبتوه من خلق المخلوقات العظيمة, على ما أنكروه من إعادة الموتى, الذي هو أسهل من ذلك: " لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا " أي: من هو الخالق للأرض, ومن عليها, من حيوان, ونبات, وجماد, وبحار, وأنهار, وجبال, ومن المالك لذلك, المدبر له؟.
فإنك إذا سألتهم عن ذلك, لا بد أن يقولوا: الله وحده.
فقل لهم إذا أقروا بذلك: " أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " أي: أفلا ترجعون إلى ما ذكركم الله به, مما هو معلوم عندكم, مستقر في فطركم, قد يغيبه الإعراض في بعض الأوقات.
الحقيقة أنكم إن رجعتم إلى ذاكرتكم, بمجرد التأمل, علمتم أن مالك ذلك, هو المعبود وحده, وأن إلهية من هو مملوك, أبطل الباطل.
ثم انتقل إلى ما هو أعظم من ذلك, فقال:
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

قل لهم حين يقرون بذلك: " أَفَلَا تَتَّقُونَ " عبادة المخلوقات العاجزة, وتتقون الرب العظيم, كامل القدرة, عظيم السلطان؟.
وفي هذا من لطف الخطاب, من قوله " أَفَلَا تَتَّقُونَ " والوعظ بأداة العرض الجاذبة للقلوب, ما لا يخفى.
ثم انتقل إلى إقرارهم بما هو أعم من ذلك كله فقال:
قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

" قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ " أي: ملك كل شيء, من العالم العلوي, والعالم السفلي, ما نبصره, وما لا نبصره؟.
والملكوت صيغة مبالغة, بمعنى الملك.
" وَهُوَ يُجِيرُ " عباده من الشر, ويدفع عنهم المكاره, ويحفظهم مما يضرهم.
" وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ " أي: لا يقدر أحد أن يجير على الله, ولا يدفع الشر الذي قدره الله.
بل ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه.
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

" سَيَقُولُونَ لِلَّهِ " أي: سيقرون أن الله المالك لكل شيء, المجير, الذي لا يجار عليه.
" قُلْ " لهم حين يقرون بذلك, ملزما لهم, " فَأَنَّى تُسْحَرُونَ " أي: فأين تذهب عقولكم, حيث عبدتم من علمتم أنهم لا ملك لهم, ولا قسط من الملك, وأنهم عاجزون من جميع الوجوه, وتركتم الإخلاص للمالك العظيم القادر المدبر لجميع الأمور.
فالعقول التي دلتكم على هذا, لا تكون إلا مسحورة.
وهي - بلا شك - قد سحرها الشيطان, بما زين لهم, وحسن لهم, وقلب الحقائق لهم, فسحر عقولهم, كما سحرت السحرة, أعين الناس.
بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَتفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

يقول تعالى: بل أتينا هؤلاء المكذبين بالحق, المتضمن للصدق في الأخبار, العدل في الأمر والنهي.
فما بالهم لا يعترفون به, وهو أحق أن يتبع؟ وليس عندهم, ما يعوضهم عنه, إلا الكذب والظلم ولهذا قال: " وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ " .

تفسير سورة المؤمنون كاملة مسموعة

تفسير السعدي
تفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80




إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#2

افتراضي رد: تفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 61:80

تسلمي يا قمر
إظهار التوقيع
توقيع : جزائرية تركية


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
تفسير سورة الذاريات امانى يسرى القرآن الكريم
تفسير السعدي لسورة المؤمنون من الآية 22:44 أم أمة الله القرآن الكريم
تفسير قوله تعالى (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ)، تفسير الآية 51 من سورة الأحزاب إشرآقـــة أمل القرآن الكريم
تفسير سورة التحريم ، تفسير ابن كثير للجنة اسعى❤ القرآن الكريم


الساعة الآن 07:45 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل