أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل



https://adlat.net/showthread.php?t=389468
348 0
#1

افتراضي تفسير سورة الروم

تفسير سورة الروم

الآية 1: ﴿ الم: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أولسورة البقرة، واعلم أنّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: (ألِف لام ميم).

من الآية 2 إلى الآية 7: ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴾ أي: هُزِمَتْ الروم من الفُرس﴿ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ: يعني في أقرب بُقعة من أرض الروم إلى بلاد "فارس"، (وهي أرضٌ يقال لها "الجزيرة" بين نَهرَيْ دِجلة والفُرات)، ﴿ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ ﴾ أي مِن بعد هزيمتهم ﴿ سَيَغْلِبُونَ ﴾ أي: سوف يَغلِب الرومُ الفُرسَ﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ: أي في مُدّة من الزمن (لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عَشر)، ﴿ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾ يعني: للهِ سبحانه الأمر كله (في انتصار الفُرس أولاً، ثم في انتصار الروم أخيراً)، إذ ما شاءه الله كان وما لم يشأه لم يكن، ﴿ وَيَوْمَئِذٍ ﴾ يعني: يوم يَنتصر الروم على الفرس: ﴿ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾﴿ بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾ للروم (لأنّ الروم كانوا أهل كتابٍ وإنْ حَرَّفوه، وأما الفرس فكانوا مشركين يعبدون النار).

﴿ يَنْصُرُ ﴾ سبحانه ﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ أي الغالب، الذي لا يَمنعه أحد مِن فِعل ما يريد، القادر على إنجاز وعده، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ الذى وَسِعَتْ رحمته كل شئ، حيث مَكَّنَ للمغلوب أن ينتصر رغم ضَعفه، ﴿ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ أي: وبهذا وَعَدَ اللهُ المؤمنين وعداً حقاً لابد من إتمامه (وهو نَصْر الروم النصارَى، على الفرس المشركين) (وقد تحقق ذلك الوعد، ولله الحمدُ والمِنَّة)، ﴿ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يعلمونَ - يَقيناً - أنّ الله لا يخلف الميعاد، وإنما﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي يهتمون بما هو ظاهرٌ من أمور الدنيا (كتدبير مَعاشهم بالتجارة والزراعة وغير ذلك)، ولا يهتمون بحقيقة الدنيا (وهي أنها مَزرعة للآخرة)، ﴿ وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ ﴾ - وما فيها مِن نعيمٍ وجحيم - ﴿ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ (لايُفكّرون في مصيرهم بعد موتهم).
♦ وهنا يَتعجب الإنسانُ: (كيف لِمُحمد صلى الله عليه وسلم أن يَتنبأ بنتيجة معركة حربية سوف تحدث بعد بضع سنوات؟! (على الرغم مِن أنَّ الروم حِينَهَا - كما يقول التاريخ - كانت في أشد حالات الضَعف والانهيار بعد تلك الهزيمة)، وما الذي يَجعله يَخوض في مِثل هذه الأمور الغَيبيَّة، ويُغامِر بقضية الدِين كلها دونَ أن يُطلَب منه ذلك؟!، بل ويؤكّد أنَّ ذلك سوف يَحدُث عندما قال القرآن: (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ)، وماذا كان سيحدث إذا لم يَصْدُق القرآن في كل حرفٍ قاله؟!، ولكنَّ القائل هو الله، والفاعل هو الله - الذي يستطيع وحده - أن يُحَقِقَ ما يقول، وأن يَفعل ما يريد، في الوقت الذي يريد).

الآية 8: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: يعني ألم يتفكر هؤلاء المُنكِرون للبعث في خَلْق أنفسهم (فإنّ اللهخَلَقهم ولم يكونوا شيئًا ثم جَعَلهم رجالاً)، أليس القادرُ على خَلْقهم وتربيتهم، قادرٌ على بَعْثهم بعد موتهم ليجازيهم بالعدل؟!، بلى قادر، فإنه سبحانه ﴿ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ أي لإقامة العدل والثواب والعقاب، وللدلالة على قدرته على البعث (لأنّ ذلك أهون عليه مِن خلْق السماوات والأرض)، ﴿ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ أي خُلِقَت السماوات والأرض وما بينهما بوقتٍ معلوم تَفنَى عنده(وهو يوم القيامة)، ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ ﴾ يوم القيامة ﴿ لَكَافِرُونَ ﴾ (رغم كثرة الأدلة وقوّتها)، وإنما هو الكِبر والعناد، والانقياد وراء الشهوات.

الآية 9: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا ﴾ - أي هؤلاء المُنكِرون للبعث -، ألم يَمشوا ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ مُتأملينَمُعتبِرين، ﴿ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ من المُكَذِبين وما نَزَلَ بهم من الهلاك؟، وقد ﴿ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ ﴿ وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ﴾ يعني إنهم كانوا أقدر منهم على التمتع بالحياة (حيث قلَبوا الأرض للحرث والزراعة، وبنَوْا القصور وسكنوها)، فعَمَروا دُنياهم أكثر مما عَمَرها أهل مكة، ومع ذلك لم تنفعهم عِمارتهم ولا طول مدتهم، ﴿ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي بالحُجَج الواضحة، فكذَّبوهم فأهلكهم الله، ﴿ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾ بذلك الإهلاك،﴿ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ بالشِرك والعِصيان.

الآية 10: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا: أي كانَ مصير أهل السُوء من الطغاة والفاسقين: ﴿ السُّوأَى ﴾ أي أسوأ العواقب وأقبحها، وهي: ﴿ أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ أي كانَ مصيرهم: التكذيب والاستهزاء بآيات الله، فاستحقوا بذلك الهلاك والعذاب، (ألاَ فليحذر المُصِرُّونَ على المعاصي أن تَجُرَّهم ذنوبهم إلى أسوأ العواقب، وهي الكفر والعياذ بالله، وليُسارعوا بالتوبة قبل فوات الأوان).
ويُحتمَل أن يكون المعنى: إنّ مصير الذين أشركوا وفعلوا المعاصي هي السُوأَى (وهي أسوأ العقوبات في الدنيا والآخرة) مِن أجل أنهم كذبوا بآيات الله واستهزؤوا بها، واللهُ أعلم.

الآية 11:﴿ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾: أي يُنشئ سبحانه الخلقمنالعدم، ثم يُميتهم، ثم يُعيدهم كهيئتهم قبل أن يُميتهم ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم، فيُجازي المحسن بإحسانه والمُسيء بإساءته.

الآية 12، والآية 13: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ﴾أي يَيئَس المجرمون من النجاة من العذاب،﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ: يعني لم تشفع لهم معبوداتهم الباطلة عند الله تعالى كما كانوا يظنون في الدنيا ﴿ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ أي تبرؤوا من معبوداتهم يوم القيامة، عندما يئسوا من شفاعتهم لهم، خوفاً من زيادة عذابهم.

من الآية 14 إلى الآية 19: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ أي يَفترق أهل الإيمان وأهل الكفر:﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ ﴾ من رياض الجنة (والروضة: هي كل أرضٍ ذات أشجار وماء وزهور)، ﴿ يُحْبَرُونَ ﴾ أي يُسَرُّون ويُنعَّمون (اللهم ارزقنا الجنة يارب)،﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ أي يُحضرهم اللهُ في العذاب المقيم، جزاءً لهم على تكذيبهم.
ولمَّا بَيّنَ سبحانه أن الإيمان والعمل الصالح يُنَجّي صاحبه من النار ويكونُ سبباً في نعيمه الأبدي، أمَرَ سبحانه عباده بإقامة الصلوات الخمس (المشتملة على التسبيح والحمد) في المساء والصباح والظهيرة والعصر، فقال: ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ ﴾ يعني: فيا أيها المؤمنون سَبِّحوا الله ونَزِّهوه عما لا يليق به، وصَلُّوا له ﴿ حِينَ تُمْسُونَ ﴾ أي حين تدخلون في المساء (وهذا يشمل صلاة المغرب وصلاة العشاء) ﴿ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ أي حين تدخلون في الصباح (وهذا يشمل صلاة الصبح)، ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ ﴾ أي له سبحانه الشُكر على نعمه، وله الثناء الجميل ﴿ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
وقوله تعالى: ﴿ وَعَشِيًّا ﴾ معطوف على قوله: (وَحِينَ تُصْبِحُونَ)، أي صَلُّوا له في العَشِيّ، وهو الوقت الذي بعد العصر (وهذا يشمل صلاة العصر)، ﴿ وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ أي حين تدخلون في وقت الظهيرة (وهذا يشمل صلاة الظهر).
ومِن مَظاهر قدرته سبحانه واستحقاقه وحده للعبادة أنه ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾ (كإخراج الزرع من الحَب، والمؤمن من الكافر)، ﴿ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ (كإخراج البيض من الدجاج، والكافر من المؤمن)، ﴿ وَيُحْيِي الْأَرْضَ ﴾ - بإنزال الماء وإخراج النبات - ﴿ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ يعني بعدأن كانت الأرض يابسة لا حياةَ فيها ﴿ وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾يعني: وكما أخرج سبحانه الحيَّ من الميت، وكما أحيا هذه الأرض الميتة، فكذلك تُخرَجون - أيها الناس - من قبوركم أحياءً للحساب والجزاء.

الآية 20: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ ﴾ الدالة على وجوب توحيده وعلى قدرته على البعث ﴿ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ﴾ أي خَلَقَ أباكم آدم من تراب، ﴿ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ ﴾ يعني: ثمجعلكم بَشَراً تتناسلونَ، و﴿ تَنْتَشِرُونَ ﴾ في الأرض لتعمروها، وتسعوا في طلب رِزقكم.

الآية 21: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا: أي خَلَقَ لكم - مِن نفس نوعكم - زوجاتٍ ﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا: أي لتستريح نفوسكم معهنّ، ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً: أي جَعَلَ سبحانه بين المرأة وزوجها محبةًوشَفَقة (إلا إذا ظلم أحدهما الآخر، فإنّ تلك المحبةًوالشَفَقة قد تزول حتى يزول الظلم ويرجع العدل والحق، ويتوب الظالم منهما إلى ربه) ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ ﴾ تدل على قدرة الله ووحدانيته ورحمته وحكمته ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ أي يتفكرون في آيات الله، ويتدبرون ما ينفعهم في الدنياوالآخرة.

الآية 22: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ ﴾ وارتفاعها بغير عمد، ﴿ وَالْأَرْضِ ﴾ مع اتساعها وامتدادها، ﴿ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ ﴾ أي اختلافُ لُغاتكم أيها الناس ﴿ وَأَلْوَانِكُمْ ﴾﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ أي العالِمينَ بآيات الله وشَرْعه، العارفينَ بحقائق الأمور.

الآية 23: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ: يعني إنه سبحانه جَعَلَ النومَ راحةً لأبدانكم في الليل، وكذلك في النهار (وقت الظهيرة)، ﴿ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ يعني: ومِن آياته طَلَبُكم لأرزاقكم مِن فضل ربكم في الليل والنهار (إذ بعض الناس يعملون بالليل)، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ ﴾ تدل على قدرته على البعث والجزاء (لأن النوم كالموت، والانتشار في النهار كالبعث بعد الموت)، وقد جَعَل الله هذه الآيات ﴿ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ: أي يَسمعون المواعظ سماعَتأمُّل وتفكُّر واعتبار (فهؤلاء هم المنتفعون بها).

الآية 24: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ ﴾ - الدالة على كمال قدرته وعظيم حكمته وإحسانه - أنه ﴿ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا ﴾ من الصواعق التي فيه (لتخافوا عذابه وتتقوه)، ﴿ وَطَمَعًا ﴾ في نزولا لمطر (لترجوا رحمته وتدعوه)، ﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ ﴾ أي يُخرج به النبات من الأرض ﴿ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ يعني بعد أن كانت يابسةً لا حياةَ فيها، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ ﴾ على قدرة اللهِ تعالى على البعث ﴿ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ أي يَعقلون البراهين فيَعتبروا بها.

الآية 25: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ ﴾ الدالة على عظمته وكمال قدرته ﴿ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ (والمقصود أنّ السماء والأرض قامَتا واستقرَّتا بأمْره تعالى وقدرته، فلم يَختل نظامهما ولم تسقط السماء على الأرض)، (فالقادرُ على ذلك قادرٌ على بَعْثكم بعد موتكم)، ﴿ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ ﴾ يعني إذا ناداكم يومالقيامة - عن طريق نفخة المَلَك إسرافيل في "البوق" - ليَبعثكم سبحانه من باطن الأرض أحياءً: ﴿ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ مُسرعين من قبوركم، ليحاسبكم على جميع أعمالكم.

الآية 26: ﴿ وَلَهُ ﴾ سبحانه جميع ﴿ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ من الملائكة والإنس والجن والحيوانوالنبات والجماد (مُلكاً وتصرفاً وتدبيراً وإحاطة)، ﴿ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾ أي كل هؤلاء خاضعونَ لتدبيره ومشيئته.

الآية 27: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ﴾ من العدم ﴿ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ حيًا بعد الموت، ﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ يعني: إنَّ إعادة الخَلق أهْوَنُ عليه سبحانه (لأنّ إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة)، ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ يعني: وللهِ تعالى الصفات العُليا (من الكمال والاستغناء عن جميع خَلقه)، فهو سبحانه ليس كمثله شيء، ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ أي الغالَب الذي قهر جميع المخلوقات، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في أقواله وأفعاله وتدبير أمور خلقه.

الآية 28: ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا ﴾ أي جعل لكم أيها المُشركون مَثَلاَ ﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾ (يوَضِّح لكم فيه فساد الشِرك وبُطلانه)، وهو: ﴿ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾؟ يعني: هل هناك أحدٌ مِن عبيدكم يُشارككم في أموالكم ﴿ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ: أي بحيثُ تصبحون أنتم وإياهم متساوون في المال، و﴿ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ: أي تخافونَ منهم في مُقاسمة أموالكم كما تخافون الشركاءالأحرار؟! إنكم لن ترضوا بذلك أبداً (إذاً فكيف ترضون بذلك لله تعالى وتجعلون له شركاء مِن خَلقه وعبيده؟!)، ﴿ كَذَلِكَ ﴾ يعني بمثل هذه الأمثال ﴿ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ: أي نُبيِّن البراهين والحُجَج لأصحاب العقول السليمة الذين ينتفعون بها.

الآية 29، والآية 30: ﴿ بَلِ ﴾ يعني: وليس الأمر تقصيراً في ضرب الأمثال الدالة على الحق، ولكنْ: ﴿ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ أي اتّبع المُشركون أهواءهم، فقلَّدوا آبائهم بغير علمٍ أو دليل، ﴿ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ﴾ يعني: فلا أحد يقدر على هداية مَن أضلَّه الله (بسبب إصراره على كُفره وعِناده)، ﴿ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ يُخَلِّصونهم من عذاب الله.
فإذا علمتَ أيها الرسول أحوال المُعرِضين عن الحق بعد ظهور دلائله ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾ أي استقم - أنت ومَن اتّبعك - على الدين الذي شَرَعه الله لك،وهو الإسلام، واتّبع ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (فإنّ اللّهَ تعالى قد فَطَرَ عباده على دين الإسلام الواضح الذي لا عِوَجَ فيه، فخَلَقَ فيهم القابلية للإيمان بربهم وتوحيده، ولكنّ هذه الفِطرة قد تتغيروتتبدل بما يأتي عليها من العقائد الفاسدة، قال صلى الله عليه وسلم - كمافي الصحيحين -: (ما مِن مَوْلودٍ إلا يُولَدُ على الفِطرة، فأبَوَاهُيُهَوِّدانِه - (أي يَجعلانه يهودياً) - أو يُنَصِّرانِه - (أي يَجعلانهنَصرانياً) - أو يُمَجِّسانِه) - (أي يَجعلانه مَجُوسِيّاً)).
﴿ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ أي لا تُبَدِّلوا تلك الفِطرة ولا تغيّروها، بل نَمُّوها بالتربية، حتى ينشأ الطفل على الإيمان والتوحيد، (واعلم أنّ هذه الجملة: (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) قد تضمنتْ الأمر بعدم التبديل وإن لم تُصَرِّح بذلك، فهي كقول الله تعالى: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)؟ أي انتهوا)، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي الإسلام هو ﴿ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ أي الطريق المستقيم الموصل إلى رضا رب العالمين وجنته، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يعلمون أن الذي أمَرْتُكَ به - أيها الرسول - هو الدين الحق الذي لا شك فيه.
واعلم أنّ معنى "حنيفاً" أي: مائلاً، والمقصود: (المَيْل عن أيّ دين باطل، والاستقامة على الدين الحق)، واعلم أيضاً أن الله تعالى خَصَّ الوجه بالاستقامة في قوله:(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ)،لأن الوجه هو أكرم الجوارح وأشرفها، وبه يَحصُل التوجُّه إلى كل شيء، فإذا خضع وجه العبد لله: خضعتْ له جميع جوارحِه، فلا يُشرك بعبادته أحدًا.



الآية 31، والآية 32: ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾: أي كونوا راجعينَ إلى الله بالتوبة والطاعة ﴿ وَاتَّقُوهُ ﴾ بفعل الأوامرواجتناب النواهي ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ بأركانها وواجباتها وشروطها (في خشوعٍ واطمئنان)، ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ الذين يُشرِكون مع الله غيره في العبادة، ولا تكونوا ﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ﴾ (وهُم أهل الأهواء والبِدَع الذين بدَّلوا دينهم وغيَّروه،فأخذوا بعضه وتركوا بعضه، تَبعًا لأهوائهم) ﴿ وَكَانُوا شِيَعًا ﴾: أي صاروا فِرَقًا وأحزابًا، وأصبح ﴿ كُلُّ حِزْبٍ ﴾ منهم: ﴿ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ أي مسرورونَ بما هم عليه (يَحكمون لأنفسهم بأنهم على الحق، وغيرهم على الباطل).

الآية 33، والآية 34: ﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ ﴾ أي شدة وبلاء: ﴿ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾ أي راجعينَ إليه وحده بالدعاء والتوبة، ليكشف عنهم ضُرَّهم، ﴿ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً ﴾ وكَشَفَ عنهم الضر: ﴿ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾ يعني إذا جماعة منكم يُشركون بربهم المُنْعِم عليهمبالنجاة، فيَعبدونَ معه غيره،﴿ لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ ﴾: أي لتكون عاقبتهم أن يَجحدوا بما آتاهم اللهُ مِن نِعم (ومنها كَشْف البلاء عنهم) فيَستحقوا العذاب، ﴿ فَتَمَتَّعُوا ﴾: أي استمتِعوا أيها المُشركون بدُنياكم الزائلة ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ عاقبة كُفركم وعِصيانكم.

الآية 35:﴿ أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا ﴾: يعني أم أنزلنا على هؤلاء المشركين كتابًا فيه حُجّة قاطعة ﴿ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾ أي يَنطق بصحة شِركهم؟! كلا إننا لم نفعل ذلك، إذاً فلماذا يَفترون على الله الكَذِب بزَعْمهم أنّ له شركاء؟!

الآية 36: ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً ﴾ أي نعمةً مُعَيَّنة - مِن صحةٍ أو رزقٍ أو أمْنٍ أو غير ذلك - ﴿ فَرِحُوا بِهَا ﴾ (فرح تكبُّر وليس فرح شُكر)، لأن الله تعالى قال في سورةٍ أخرى: (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ)، ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾ يعني: وإن يُصِبهم مرضٌ وفقرٌ وخوفٌ وضِيق ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ من المعاصي: ﴿ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ أي يَيْئَسون من زوال تلك الشدة، ويَسخطون على قضاء الله تعالى، وهذه هي طبيعة أكثر الناس في الرخاء والشدة (إلا الصابرينَ الشاكرين، الذين استثناهم سبحانه في سورةٍ "هود" بقوله: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) أي على ما أصابهم من الضُرّ (احتسابًا للأجرعند اللهِ تعالى) (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) شُكراً للهِ على نِعَمِه (أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) في الآخرة.

الآية 37: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ أي يُوَسِّع الرزق على مَن يشاءُ امتحانًا: (هل يَشكر أو يَكفر؟)،﴿ وَيَقْدِرُ ﴾ أي يضيِّقه على من يشاء اختبارًا: (هل يَصبر أو يَسخط؟)، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ العطاء والمنع ﴿ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي يؤمنون بالله تعالى ويعرفون حكمته ورحمته.

الآية 38: ﴿ فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾: يعني أعطِ الأقرباء حقوقهم من الصَدَقة والصِلة والبِرّ،وكذلك أعطِ الفقير المُحتاج مِن مالك، وكذلك المسافر الذي فَقَدَ ماله - أو نَفَذ ماله - واحتاجَ للنفقة، ﴿ ذَلِكَ ﴾ الإعطاء ﴿ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ﴾ (وهُم الذين يريدون بعملهم رضا اللهِ تعالى وَجَنَّتِه والنظر إلى وجهه الكريم)﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ أي الفائزونَ بثواب الله تعالى، الناجونَ مِن عقابه.

الآية 39: ﴿ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا ﴾ يعني: وما أعطيتم أحداً قرضًا من المال بقصد الربا (وهو الحصول على زيادة من ذلك الشخص عندما يَرُدّ القرض إليكم)، فمَن فعل ذلك ﴿ لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ ﴾: يعني ليزيد ماله الذي عند الناس: ﴿ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾: أي لا يُبارك الله ماله ولا يُضاعف أجره، بل يَمحق بركته ويُعاقِب عليه صاحبه، ﴿ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ ﴾ يعني: وما أعطيتم مِن زكاةٍ وصدقةٍ للمحتاجين ﴿ تُرِيدُونَ ﴾ بها ﴿ وَجْهَ اللَّهِ ﴾ ليَرضى عنكم ويغفر لكم ويرحمكم: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ الذين يُضاعِف الله لهم ثواب أعمالهم.

الآية 40: ﴿ اللَّهُ ﴾ سبحانه هو ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ أيها الناس ﴿ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾ (من السماء بإنزال المطر، ومن الأرض بإنبات الزرع وإخراج المعادن)، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ بعد انتهاء آجالكم، ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ من قبوركم للحساب والجزاء، ﴿ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾؟! بل الله سبحانه هو المتفرد بالخلق والرزقوالإحياء والإماتة (فهو الذي أحياكم ابتداءً، وهو الذي يعيدكم بعد موتكم، لأنه الخبير الذي خَلَق أجسادكم وأرواحكم) ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.

الآية 41: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ (والفساد هو كل ما فيه مَفسَدة للناس، وليس لهم فيه منفعة، كقِلَّة الأمطار وكثرة الأمراض والقحط والغلاء)، فكل هذا قد حَدَث ﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ أي بسبب المعاصي التي يفعلها البشر، وقد أصابهم الله بهذه المصائب في الدنيا ﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾: أي ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ إلى الله تعالى، ويتوبوا من المعاصي، فتَصلُح أحوالهم، وتستقيم أمورهم.
واعلم أنّ الله تعالى قال: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) وليس (بكُلّ الذي عملوا)، لأنه لو أصابهم بكل ذنوبهم لأنهَى حياتهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾.

من الآية 42 إلى الآية 45: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المُكَذِبين: ﴿ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ بأجسادكم وقلوبكم ﴿ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي: كيف كانَ مصير المُكَذِبين مِن قبلكم (كعادٍ وثمود وقوم لوط)؟ وما نزل بهم من الهلاك، فقد ﴿ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ﴾ أي كان أكثر الأمم السابقة مشركين مِثلكم يا كفار قريش، فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم.
فإذا علمتَ أيها الرسول - أنت وأمتك - سُوء عاقبة الشِرك﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ ﴾: أي وَجِّه وجهك نحو الدين المستقيم، وهو الإسلام (مُنَفِّذًا أوامره،مجتنبًا نَوَاهيه)، واثبُت عليه ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ ﴾ وهو يوم القيامة، الذي ﴿ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ﴾ أي لا يقدر أحد على ردِّه، ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴾: أي يتفرقون فِرقتين (كما يَتَصَدّع الجدار فرقتين)، فـ﴿ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾ أي عليه عقوبة كُفره (وهي خلوده في النار)، ﴿ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا ﴾ - بعد أن آمَنَ بالله ورُسُله -: ﴿ فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾: أي يُهَيِّئون ويَفرشون لأنفسهم منازل في الجنة (بإيمانهم وكثرة طاعاتهم وإتقان أعمالهم).
وقد فَرَّقَ اللهُ بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ بالنعيم المقيم، ويجزي الكافرين بعدله بالعذاب الأليم، ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾.



الآية 46: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ ﴾ الدالة على قدرته سبحانه، وإنعامه على عباده، وأنه الإله الحق الذي يجب أن يُعبَد ولا يُعبَد غيره: ﴿ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ ﴾ ( التي تُحَرِّك السحاب )، لتكونَ ﴿ مُبَشِّرَاتٍ ﴾ أي تُبَشِّر العباد بقُرب نزول المطر ﴿ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ بإنزال المطر الذي تحيا به البلاد والعباد، وتحصل به سعة الرزق والرخاء ﴿ إذ المطر تحيا به مَزارع الناس، فيتوفر لهم غذائهم وتجارتهم ﴾ ﴿ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ ﴾ أي تجري السفن في البحر بواسطة هذه الرياح الطيبة ﴿ بِأَمْرِهِ ﴾ أي بأمر الله ومشيئته ( لأن الرياح قد تكونُ عاصفةً فتُغرِق السُفُن )، ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾ أي: لتطلبوا رِزقَ ربكم بالتجارة في البحر ( عن طريق نقل البضائع على السفن من بلدٍ إلى آخر ) ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ أي: لتشكروا ربكم على هذه النعم العظيمة فتعبدوه وتُطيعوه ولا تُشركوا به.

الآية 47: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ ﴾ ليدعوهم إلى التوحيد، ويُبَشِّروا المُوَحّدين بالجنة، ويُحَذِّروا المشركين من النار ﴿ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ: أي جاؤوا أقوامهم بالمعجزات والبراهين الدالة على صِدقهم، فكَفَرَأكثر القوم وكَثُرَ إجرامهم ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ﴾ بأنواع العذاب والإهلاك - ومنها الهَلاك بالريح ( التي جعلها الله نعمةً لأولياءه ونِقمةً على أعداءه ) - ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ.


الآية 48، والآية 49، والآية 50: ﴿ اللَّهُ ﴾ سبحانه هو ﴿ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ ﴾ أي يُنشئها ثم يَبعثها إلى السحاب ﴿ فَتُثِيرُ سَحَابًا ﴾ أي تُحَرِّك سحاباً مُثقلاً بالماء، ﴿ فَيَبْسُطُهُ ﴾ أي يَنشر سبحانه السحاب ﴿ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ ﴿ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا ﴾ أي يجعله قطعًا متفرقة، ﴿ فَتَرَى الْوَدْقَ ﴾ أي المطر ﴿ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ﴾ أي مِن بين السحاب ليَحصل به الانتفاع، ﴿ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ: يعني إذا ساقَ اللهُ المطر إلى ﴿ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ أي يفرحون بنزول المطر عليهم، ﴿ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ﴾ أي يائسينَ بسبب امتناعه عنهم، ( واعلم أنّ إعادة لفظ: ﴿ مِنْ قَبْلِهِ ﴾ للتأكيد على شدة اليأس الذي استولى عليهم قبل نزول المطر )، ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ: أي انظر متأملاً إلى آثار المطر في النبات والزروع والشجر ﴿ كَيْفَ يُحْيِي ﴾ به الله ﴿ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ فيُنبتها ويُحييها؟ ﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ أي الذي قَدَرعلى إحياء هذه الأرض ﴿ لَمُحْيِي الْمَوْتَى ﴾ من قبورهم يوم القيامة، ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ لا يُعجزه شيء.

الآية 51، والآية 52، والآية 53: ﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا ﴾ على زروعهم ﴿ رِيحًا ﴾ مُفِسدة ﴿ فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا ﴾ أي: فرأوا نباتهم قد فسد بتلك الريح، فصار من بعد خُضرته مُصفَرًا: ﴿ لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ ﴾ - أي من بعد رؤيتهم لهذا النبات الذي فسد - ﴿ يَكْفُرُونَ ﴾ أي يجحدون نعم الله السابقة عليهم ويقولون ألفاظ السخط وعدم الرضا.
♦ فلا تَحزن أيها الرسول على عِنادهم ﴿ فإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾ أي لا تَقدر على إسماع مَن طَبَعَ الله على قلوبهم فأماتها ﴿ بسبب تراكُم الشرك والمعاصي عليها، وبسبب حُبِّهم لتقليد آباءهم، رغم وضوح الحُجَج وإقامتها عليهم ﴾، ﴿ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ﴾ يعني إنك لا تَقْدر على إسماع الصُمّ ( الذين فقدوا حاسة السمع )، فكذلك أنت لا تقدر على هداية هؤلاء المشركين - إلا أن يشاءالله هدايتهم - لأنهم كالصُمٌّ، حيثُ لا يسمعونك سماعَ تدبُّر وانتفاع، وخصوصًا ﴿ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ يعني إذا كانوا مُعرِضينَ عنك ﴿ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ ﴾ يعني لن تهدي مَن أعماه الله عن الهدى والرشاد، بسبب الكِبر والعناد، ﴿ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا ﴾ أي لا يُمْكنك أن تُسمِع إلا مَن يُصَدِّق بآياتنا ﴿ فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ أي مُستجيبونَ لِمَا دَعَوتَهم إليه، منقادونَ للحق، غير مُتَّبعين لأهوائهم وشهواتهم.

الآية 54: ﴿ اللَّهُ ﴾ سبحانه هو ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ﴾ أي خَلَقكم من ماءٍ ضعيف، وهو النطفة، وكذلك كنتم ضِعافاً حال طفولتكم، ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ﴾ أي جعل من بعد ضعفالطفولة: قوة الشباب ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾ أي جعل من بعد قوة الشباب: ضعف الكبر والشيخوخة، ﴿ يَخْلُقُ ﴾ سبحانه ﴿ مَا يَشَاءُ ﴾ من مراحل الضعف والقوة ﴿ وَهُوَ الْعَلِيمُ ﴾ بأحوال خلقه، ﴿ الْقَدِيرُ ﴾ على إحياءهم بعد موتهم ( إذ القادر على إيجادهم من العدم ثم رَدِّهم إلى حال الشيخوخة بعد قوة الشباب: قادرٌ على بَعْثهم بعد الموت ).

الآية 55: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ﴾ - ويَبعث اللهُ الخلق من قبورهم -: ﴿ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ: أي يُقسِمون أنهم ما مَكَثوا فيالدنيا غير فترة قصيرة من الزمن، ﴿ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ: يعني إنهم كما صُرِفوا عن معرفة مُدّة مُكثهم في الدنيا، فكذلك كانوا يُصرَفون في الدنيا عن الإيمان بالبعث والجزاء ( بسبب عِنادهم وإصرارهم على شِركهم ).

الآية 56: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ ﴾ - وهُم الملائكة والأنبياء والمؤمنون - يقولون لهؤلاء المشركين الذين كذبوا في قَسَمهم: ﴿ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ: يعني لقدمَكَثتم - فيما كتبه الله في اللوح المحفوظ - منذ أن خُلِقتم ﴿ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ﴾ وهو يوم القيامة، ﴿ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ ﴾ ﴿ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ أنّ وَعْدَ الله حق.

الآية 57: ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ: أي لا تنفع أعذار الظالمين أمام ربهم ﴿ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ: أي لا يُطلب منهم العُتبَى ( وهو إرضاء ربهم بالتوبة والعمل الصالح )،فقد فاتَ أوانُ ذلك، ﴿ فاذكر هذا لقومك أيها الرسول، لعلهم يتوبون فينجوا ﴾.





الآية 58: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا ﴾ أي بَيَّنَّا ﴿ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ﴾ يعني أنواعًا كثيرة من الأمثال والأدلة ﴿ مِن أجل إقامة الحُجّة عليهم وإثباتوحدانية الله تعالى وحقيقة البعث بعد الموت ﴾، ﴿ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ بِآَيَةٍ ﴾ تدل على صِدقك: ﴿ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ﴾ يعني: ما أنتم - يا محمد وأتْباعك - إلا كاذبون، تحاولون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا، وتُبطِلوا عبادتنا لأصنامنا.

الآية 59: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ يعني: وكما ختم الله على قلوب هؤلاء المشركين ( لإصرارهم على الشرك )، فكذلك يطبع سبحانه على قلوب الذين لا يعلمون، ولا يعملون على إزالة جهلهم، بل أحَبّوا البقاء في الجهل والضلال، ( وفي هذا دليلٌ على أهمية طلب العلم ).

الآية 60: ﴿ فَاصْبِرْ ﴾ - أيها الرسول - على تكذيب قومك وإيذائهم لك، فـ ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ بنصرك عليهم ﴿ حَقٌّ ﴾ ( كما حدث في فتح مكة )، ﴿ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ ﴾ أي لا يَستفزَّنَّك ﴿ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ بالبعث والجزاء عن ترْك الحلم والصبر وتبليغ الدعوة.




من سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

رامى حنفى محمود
شبكة الألوكة


تفسير سورة الروم













قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
ملف كامل عن تفسير الاحلام لابن سرين ♥ احبك ربى ♥ منتدى تفسير الاحلام
القران الكريم كاملاً بصوت السديس .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
ملف عن العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع النجمة الذهبية العقيدة الإسلامية
القران الكريم كاملاً بصوت الحصري 2024 .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
مصحف الشيخ ماهر المعيقلي كاملاً بجودة عالية mp3 عاشقة الفردوس القرآن الكريم


الساعة الآن 06:48 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل