أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل



https://adlat.net/showthread.php?t=389539
370 2
#1

افتراضي تفسير سورة ص

تفسير  سورة ص



الآية 1، والآية 2، والآية 3: ﴿ص: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة.
﴿وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (يُقسِم الله تعالى بالقرآن الذي يَذكُرُ الناسُ به ربهم، والمشتمل على تذكيرهم بما هم عنه غافلون) (هذا هو القسم، وأما الشيء الذي يَقسم الله عليه فهو محذوف بَلاغةً (لأنه يُفهَم من الآية التي بعده)، وتقديره: (ما الأمر كما يَزعم هؤلاء المشركون مِن أن النبي ساحر وشاعر ومجنون) ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ يعني: ولكنّ الكافرين في تكبُّر عن الانقياد للحق ﴿وَشِقَاقٍ أي عداوة ومخالَفة للحق، (فلذلك قالوا في الرسول تلك الاتهامات الباطلة، وإلاّ فهُم يعلمونَ يَقيناً أنه أبعد الناس عن السحر والشعر والكذب والجنون)، ألم يروا ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ يعني إننا أهلكنا الكثير من الأمم المُكَذِبة قبل هؤلاء المشركين ﴿فَنَادَوْا: أي استغاثوا حين جاءهم العذاب،ونادوا بالتوبة ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ يعني:وليس وقت مَفَرّ (يعني ليس الوقت وقت فرار مما أصابهم، وليس الوقت وقت توبة)، (ألاَ فليَحذر كفار قريش أن يصيبهم ما أصاب المُكَذِبين قبلهم).

الآية 4، والآية 5: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ: أي تَعَجَّبَ كفار مكة مِن أنّ الله قد بَعَثَ إليهم بَشَراً منهم (وهو محمد صلى الله عليه وسلم) الذي يعرفون صِدقه ونَسَبه؛ ليدعوهم إلى توحيد الله وطاعته،ويُخوَّفهم مِن عذابه إن أشركوا به وعصوه، ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ عِناداً واستكباراً: ﴿هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴿أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا: يعني كيف يَزعم أنّ الآلهة الكثيرة صارت إلهًا واحدًا؟ ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ يعني إنّ الذي جاء به لَشيئٌ شديد العجب.

الآية 6، والآية 7، والآية 8: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ أي انطلق رؤساء القوم يُحَرِّضون قومهم على الاستمرار على الشرك، وأن يَصبروا على تعَدُّد الآلهة، ويقولون لهم: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ يعني إنّ ما جاء به محمد شيءٌ مُدبَّر، يَقصد منهالسيادة عليكم، و﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ: أي ما سمعنا بما يدعو إليه في دين آبائنا من قريش، (وعلى هذا يكون المقصود بالمِلّة الآخِرة: أي المُدّة الزمنية الأخيرة القريبة منهم، وهي آخِر عَهْدهم بدين آبائهم)، وقال كفار قريش: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ يعني:ما هذا إلا كَذِبٌ وافتراء، ﴿أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا يعني هل اختصه الله بإنزال القرآن مِن بيننا، وهو ليس بأكبرنا سِنًّا ولا بأشرفنا نسباً؟!، قال تعالى:﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي (وهو القرآن) رغم وضوحه وقوة حُجَّته وبيانه، ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ: يعني بل إنهم لم يذوقوا عذابي بعد، إذ لو ذاقوه: ما تجرؤوا على ما قالوه، (ويُحتمَل أن يكون المقصود: بل عندما يذوقونَ عذابي، سيعلمون أنه حق).

الآية 9: ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ: يعني أم هم يَملكون خزائن فضل ربك ﴿الْعَزِيزِ في سُلطانه ومُلكه، ﴿الْوَهَّابِ الذي يَهَب ما يشاءُ مِن فضلهلمن يشاءُ مِن خلقه؟! والجواب: (إنهم لا يملكون شيئاً من ذلك)، إذاً فكيف يَعترضون على إعطاء اللهِ النُبُوّةَ لمحمد صلى الله عليه وسلم واختياره مِن بينهم؟! أليس الله بأعلم بمن يستحق ذلك الفضل مِن خلقه؟!

من الآية 10 إلى الآية 14: ﴿أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فيُعطوا ويَمنعوا كما يشاؤون؟! إنْ كانَ لهم شيئٌ من المُلك - على سبيل الفرض - ﴿فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ أي: فلْيأخذوا بالأسباب الموصلة لهم إلى السماء، ثم ليأتوا بالوحي فيَخُصُّوا به مَن شاؤوا، أو يَمنعوا نزوله على نبينا محمد!

♦ ثم وَعَدَ الله رسوله بالنصر عليهم (تصبيراً له على تكذيبهم وعِنادهم)، فقال: ﴿جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ: يعني هؤلاء الجُند المحاربونَ للحق هم جندٌ مهزومون، وسيَصيرون مِن جملة الأحزاب الذين هُزِموا قبلهم، فقد﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ﴿وَعَادٌ (وهم قوم هود)، ﴿وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ أي صاحب القوة العظيمة، (وقيل إنه كان له أربعة أوتاد يَربط فيها مَن أراد تعذيبه)، ﴿وَثَمُودُ (وهم قوم صالح)، ﴿وَقَوْمُ لُوطٍ، ﴿وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ (وهم قوم شعيب) (والأيْكة هي المدينةِ ذات الأشجار والبساتين)، ﴿أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ: يعني هذه الأمم هي التي تحزَّبتْ - أي اجتمعت - على الكفروالتكذيب، ﴿إِنْ كُلٌّ يعني: ما من أحدٍ مِن هذه الأمم ﴿إِلَّا كَذَّبَ الرُسُل: أي كَذَّبَ رسوله الذي جاءه ﴿فَحَقَّ عِقَابِ: أي فاستحقوا بذلك عقابي، ونَزَلَ بهم عذابي.

الآية 15: ﴿وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً: يعني ما يَنتظر هؤلاء المشركون - إنْ بَقَوا على شِركهم ولم يتوبوا - إلا نفخةًواحدة ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ: يعني ما لها مِن رجوع، (وقد تابَ كثيرٌ منهم والحمدُ لله).

الآية 16: ﴿وَقَالُوا أي قال مُشرِكو مكة: ﴿رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ: يعني عَجِّل لنا نصيبنا من العذاب في الدنيا قبل يوم القيامة، (وهم لا يؤمنون بيوم القيامة أصلاً، وإنما قالوا هذا استهزاءً وتكذيباً).

الآية 17: ﴿اصْبِرْ - أيها الرسول - ﴿عَلَى مَا يَقُولُونَ من الكفر والاستهزاء، ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ أي صاحب الشدة على أعداء الله، والصبر والقوة في طاعة الله (فقد كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويُفطِرُ يوماً) (والحديث في الصحيحين)، فاذكره أيها الرسول عند تكذيب قومك لك، لتقتدي به في صَبْره وقوّته في الحق، ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ: أي كثير الرجوع إلى الله تعالى، فيُكثِرُ التوبةَ مِن التقصير، ويُحاسب نفسه على كل ما يَصدر منها.

الآية 18، والآية 19، والآية 20: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ أي تُرَدّد تسبيحه إذا سبَّحَ اللهَ تعالى ﴿بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِيعني آخر النهار وأوّله، ﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً: أي جَعَلنا الطير مجموعةً إليه، تُسَبِّح معه على شكل جماعات، ﴿كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ: أي كُلٌّ من الجبال والطير وداوود طائعٌ لله تعالى، راجعٌ إليه بتسبيحه وذِكْره، ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ أي قوَّينا مُلك داوود بإعطائه كل أسباب القوة المادية والإيمانية ﴿وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وهي النُبُوّة والسَداد في الأقوال والأفعال ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ: يعني أعطيناه الفصل في خُصومات الناس (أي الحُكم بين الناس في خصوماتهم بكلامه الفاصل بين نِزاعاتهم بالعدل، وهو المعروف بفِقه القضاء).

الآية 21، والآية 22، والآية 23: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ يعني: وهل جاءك أيها الرسول خبر المُتخاصِمَين ﴿إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ أي حينَ تسَلقوا سور المحراب (وهو المكان الذي يصلي فيه داوود) ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ في مكانعبادته، ﴿فَفَزِعَ مِنْهُمْ، فـ ﴿قَالُوا له: ﴿لَا تَخَفْ فنَحنُ ﴿خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ أي ظَلَمَ أحدنا الآخر ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ ﴿وَلَا تُشْطِطْ: أي لا تَظلمنا في الحُكم ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ: يعني أرشِدنا إلى طريق الاستقامة، ثم قال له أحدهما:﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً (والنَعجة هي أنثى الضأن)، ﴿وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ(فطَمِعَ فيها أخي) ﴿فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا يعني أعطِني إياها، ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ: أي غَلَبني في الكلام والجدال فأخَذها مني.

الآية 24: ﴿قَالَ له داوود - دونَ أن يستمع إلى حُجّة الآخَر -: ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ: يعني لقد ظلمك أخوك عندما طلب منك ضَمّ نعجتك الواحدة إلى نعاجه الكثيرة ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ أي الشركاء ﴿لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أي يَعتدي بعضهم على بعضٍ بالظلم وأخْذ الحقوق ﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فلا يَظلم بعضهم بعضاً، ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ يعني:وهم قليلون، (وهنا طارَ الخَصمان من بين يدي داوود صاعدينَ إلى السماء، فعندئذٍ عَلِمَ أن الله تعالى قد اختبره، وأنّ هذين الخَصمين كانا مَلَكين)، قال تعالى:﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ يعني أيْقَنَ داوود أننا اختبرناه بهذه الخُصومة ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ (لأنه لم يستمع إلى الطرفين، بل حَكَمَ بمجرد الاستماع إلى أحدهما) ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا: أي سَجَدَ خاضعاً لله تعالى، ﴿وَأَنَابَ أي رجع إليه تائباً من ذنبه.

الآية 25، والآية 26: ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ أي ذلك الخطأ الذي وقع فيه، ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى أي منزلة عالية ﴿وَحُسْنَ مَآَبٍ يعني: وأعددنا له حُسن المصير فيالآخرة (وهي الدرجات العالية في الجنة)، وقلنا له: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ أي استخلفناك في الأرض وجعلناك حَكَماً بين الخلق ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ أي بالعدل ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى (وهو ما تميل إليه النفس أو تشتهيه أو تتعاطف معه)، فلا تَتَّبع شيئاً من ذلك أثناء الحُكم ﴿فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: أي حتى لا يُضلك الهوى عن دين الله وشَرْعه، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ في النار ﴿بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ: أي بسبب غفلتهم عن يومالحساب.



• الآية 27:﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا أي ما خَلَقنا ذلك عَبَثًا ولا لهوًا ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ "بسبب ظَنهم الباطل، وكُفرهم بقدرة ربهم على إحياءهم بعد موتهم، رغم أنهم يعلمون أن السماوات والأرض أعظم مِن خَلْقهم".

الآية 28، والآية 29: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ بالشِرك والمعاصي؟! ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ الخارجين عن طاعة الله؟! فهذان الصنفان لا يستويان عند الله، بل يُنَعِّم سبحانه المؤمنين الأتقياء، ويُعَذِّب المُفسدينالأشقياء، وهذه إحدى الحِكَم مِن خَلْق السماوات والأرض: أنْ يُطاع سبحانه فيهما فلا يُعصَى، وأن يُشكَر فيهما فلا يُكفَر، ثم يُجازِي كُلاًّ في الآخرة بما يستحق.

ولَمّا كانَ لا بد لهم مِن كتاب سماوييوضح لهم العمل الصالح وثوابه، والعمل الفاسد وعقابه، قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ يعني: هذا القرآن الكريم هو كتابٌ مبارك "أي كثير الخير والنفع، فبَرَكته لا تفارق مَن يقرؤه ويتدبره ويَعمل بهوقد أنزلناه إليك أيها الرسول ﴿لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ: أي ليتفكروا في آياته وأدلته، ويعملوا بأوامره ويجتنبوا نَوَاهيه ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ يعني: وليَتذكر به أصحاب العقول السليمة ما يَنفعهم فيفعلوه، وما يَضُرّهم فيجتنبوه.

الآية 30: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ، فكانَ سليمانُ ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ أي كانَ يَرجع إلى الله تعالى في كل أموره، (واعلم أنّ الأوّاب: هو الذي كلما أذنبَ تاب، وكلما ذَكَرَ ذنبه استغفر، وقد قال سبحانه عن نفسه: ﴿فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ أي غفوراً للتائبينَ إليه بصِدق، الراجعينَ إليه في كل وقت).

الآية 31، والآية 32، والآية 33: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ: أي اذكر أيها الرسول حين عُرِضَ على سليمان وقت العصر: ﴿الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ أي الخيول الجيدة السريعة (والصافنات هي الخيول القوية، التي تقف على ثلاث قوائموترفع الرابعة؛ لخِفَّتها)، فما زالت تُعرَض عليه حتى غابت الشمس وفاتته صلاة العصر، ﴿فَقَالَ سليمان مُعترفاً بخطئه: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي: يعني إنني فضَّلتُ حب الخيل عن الصلاة ﴿حَتَّى تَوَارَتْ أي حتى غابت الشمس عن عيني﴿بِالْحِجَابِ ﴿وهو الأفق الذي يَحجبها عن أعين الناظرين﴾، ثم قال لجنوده:﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ: أي رُدُّوا عليَّالخيل التي عُرِضَتْ مِن قبل ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ: يعني أخذ يَقطع أرجلها وأعناقها ويُطعِمها للفقراء تكفيراً عن ذنبه، " فهذه أحد مظاهر رجوع سليمان إلى ربه، وسرعة توبته إليه بعد ذنبه، فهو كما وَصَفه ربه: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.

من الآية 34 إلى الآية 40: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ أي ابتليناه واختبرناه ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا أي مولوداً له "مَيّتاً مُشَوَّه الخِلقة"، فجاءوا به ووضعوه على كرسي سليمان (وهذا المولود قد وُلِد له حين أقسم أنه سيطوف على نسائه، حتى تأتي كل واحدةٍ منهنّ بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل: "إن شاء الله"، فطافَعليهنّ جميعًا، فلم تَحمل منهنّ إلا امرأة واحدة ولدتْ له نصف ولد) "وهذا مُختصَر لحديث مذكور في الصحيحين".

﴿ثُمَّ أَنَابَ: أي رَجَعَ سليمان إلىربه تائباً (لأنه لم يُقَدِّم مشيئة الله تعالى أثناء كلامه)، فـ﴿قَالَ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي: يعني أعطِني مُلكًا عظيمًا خاصًا بي "لا يكونُ مِثلهلأحدٍ بعدي من البشر" ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ: يعني إنك سبحانك كثير الكرم والعطاء، ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ أي ذلَّلناها له، فكانت ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً أي طائعةً "رغم قوّتها وشدتها"، وتتوجه به ﴿حَيْثُ أَصَابَ: يعني حيث أرادَ التوجه "فكانت تحمله بجيوشه وأسلحته إلى حيث يشاء"، ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ يعني: وسَخَّرنا له الشياطين ليَستخدمهم فيما يَعْجز عنه غيرهم: فكانَ منهم البناؤون، ومنهم الغوَّاصون في أعماقالبحار لاستخراج اللآلئ،﴿وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ أي مُقيَّدينَ بالقيود "وهم الشياطين الذين تمردوا على أمرٍ من أوامره".

وقلنا له: ﴿ هَذَا عَطَاؤُنَا يعني هذا المُلْك العظيموالتسخير الخاص هو عطاؤنا لك يا سليمان، ﴿ فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ : يعني أعطِ مَا شئتَ مِن مُلْكك لمَن شئتَ، وامنعه عمَّن شئتَ، فلا حسابعليك، ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى أي منزلة عالية ﴿ وَحُسْنَ مَآَبٍ يعني: وأعددنا له حُسن المصير فيالآخرة "وهي الدرجات العالية في الجنة".

الآية 41، والآية 42: ﴿وَاذْكُرْ أيها الرسول خَبَر ﴿عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أي حينَ دَعا ربه ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ: يعني إنّ الشيطان قد تسَبَّبَ لي بتعب ومَشَقة،وألم شديد في جسدي، وتسَبَّبَ في فقد مالي وأهلي، (وقد نَسَبَ ذلك للشيطان لكونه سببا في حدوثه، وتأدُّباً مع الله تعالى، كما قال إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾، ولم يقل: "وإذا أمْرَضَني" رغم أنه يَعلم أنّ النفع والضُرّ بيد الله تعالى وحده)، وكَوْن الشيطان سببٌ في ذلك الضر إنما هو بقدَر الله تعالى وإذنه، فقال الله لأيوب:﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ أي اضرب الأرض برجلك، فخَرَجَ منها ماءٌ بارد، فقال الله له: ﴿هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ "فاغتسِلْ منه واشرب: يَذهب عنك الضُرّ والأذى".

الآية 43: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أي: رَزَقناه أولاداً بعدد ما فَقَد "وزِدناه ضِعفهم بنينَوأحفاداً"، وكذلك أعطيناه مالاً كثيراً، (فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أنزل عليه جَرَاداً مِن ذهب) (انظر صحيح الجامع حديث رقم: 2863).

وقد فَعَلْنا ذلك ﴿رَحْمَةً مِنَّا بأيوب، وإكرامًا له بسبب صبره على البلاء، ﴿وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ يعني: وليكون قدوة وعِبرة لأصحابالعقول السليمة إذا أصابهم البلاء، فيَصبروا مِثله، ويَحتسبوا الأجر عند ربهم، فيَكشف عنهم ضُرَّهم، ويَجزيهم بأحسن الجزاء في جنات النعيم، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.

الآية 44: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا يعني: وقلنا له: "خذ بيدك حُزمة يابسة مِن حشائش الأرض" ﴿فَاضْرِبْ بِهِ: أي اضرب بهذه الحُزمة زوجك ضربةً واحدةً إبرارًا بقَسَمك، ﴿وَلَا تَحْنَثْ أي لا تُخرج كفارة لهذا القسم"لأنه أقسم أثناء مرضه أنْ يضربها مائة جلدة إذا شفاه الله، لأنه غضب عليها مِن أمْرٍ يسير حصل منها، وكانت امرأة صالحة، فرحمها الله ورحمه بهذه الفتوى"، "وقد ذَكَرَ بعض المفسرين أنّ هذه الحُزمة كان فيها مائة عود، فكانت بمثابة المائة ضربة، عِلماً بأنّ هذه فتوى خاصة من رب العالمين لعبده أيوب عليه السلام"، ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا على البلاء، ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ أيوب ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ: أي رَجَّاع إلى ربه، في دعائه وفي كل أمْره، لا يعرف إلا الله.

الآية 45، والآية 46، والآية 47: ﴿وَاذْكُرْ أيها الرسول في القرآن ﴿عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴿أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ: يعني إنهم أصحابقوة في طاعة الله، وبصيرة في دينه ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ: أي اختصهم الله بخصوصيةٍ عظيمة، وهي: ﴿ذِكْرَى الدَّارِ أي جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم، فعملوا لها بجد واجتهاد (بما شرعناه لهم من الطاعات)، ودعوا الناس إليها وذكَّروهم بها، ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ أي المختارين للرسالة، ﴿الْأَخْيَارِ (وهُم المُكثرون مِن فِعل الخير) "والأخيار جمع خَيّر".

الآية 48: ﴿وَاذْكُرْ أيها الرسول في القرآن ﴿إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ﴿وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ: يعني إنّ كُلاً منهم من الأخيار (وهم المُكثرون مِن فِعل الخير، الذين اختارهم الله لطاعته ونُبُوّته، واختار لهم أكمل الصفات).





من الآية 49 إلى الآية 54: ﴿هَذَا ذِكْرٌ يعني: هذا القرآن ذِكْرٌ يُذكَر به الله تعالى، وهو شَرَفٌ لك أيها الرسول ولمَن اتَّبعك، ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ الذين يعملون بهذا القرآن ﴿لَحُسْنَ مَآَبٍ أي لَهم حُسن مصير عندنا في الآخرة، وهي ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ أي جنات الخلود ﴿مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ: يعني أبوابها تكونُ مفتَّحةً لهم ليدخلوا منها، ثم يجلسون ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا علىالسُرُر المُزَيَّنة (والسُرُر جمع سرير)، ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ أي يطلبون فيها ما يشتهون من أنواع الفواكه اللذيذة والشراب، (ولَعَلّ الله تعالى قد ذَكَرَ الفاكهة دونَ سائر الطعام للإشارة إلى أن طعامهم وشرابهم لمجرد التلذذ - كما يُتلَذَّذ بالفاكهة - لا لطرد الجوع كما في الدنيا، وإلاّ، فإن الله تعالى قد قال في آيةٍ أخرى: ﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ، وقال أيضاً: (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أي عندهم في مجالسهم نساءٌ لا تنظر إحداهنّ إلى غير زوجها، ولا يَنظر زوجها إلى غيرها (مِن شدة حُسنها وجمالها)، وهُنّ ﴿أَتْرَابٌ أي متساويات في السن، (إذ سِنّ أهل الجنة هو ثلاث وثلاثون سَنَة)،﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ يعني هذا النعيم هو ما توعدون به أيها المتقون يوم القيامة،﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا لكم، ﴿مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ أي ليس له فَناء ولا انقطاع.






من الآية 55 إلى الآية 61: ﴿هَذَا يعني هذا الذي سَبَقَ وَصْفه للمتقين، ﴿وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ الذين تجاوزوا الحدَّ في الكفر والمعاصي ﴿لَشَرَّ مَآَبٍ: أي لهم شر مَرجع ومصير، وهي﴿جَهَنَّمَ التي ﴿يَصْلَوْنَهَا: أي يُعذَّبون فيها، فتغمرهم من جميع جوانبهم، ﴿فَبِئْسَ الْمِهَادُ: أي بئس الفراش فراشهم (لأنه مصنوع من نار)،﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ: يعني هذا حميمٌ وغَسَّاقٌ فليَذوقوه (إذ في الكلام تقديمٌ وتأخير) (والحميم هو الماء شديد الحرارة ، والغَسّاق هو الصديد الذي يسيل من أجساد أهل النار)، ﴿وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ يعني: ولهم عذابٌ آخر يُشبه الحميم والغَسّاق ﴿أَزْوَاجٌ يعني أصناف عديدة من العذاب.


ثم أخبَرَ سبحانه أن رؤساء الضلال يدخلون النار قبل غيرهم، ثم تقول لهم ملائكة النار - عندما يرون أتْباعهم داخلينَ بعدهم -:﴿هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ: يعني هذه جماعة من أهل النار داخلة معكم (وهم أتْباعكم في الضلال)، فيجيبون الملائكة قائلين: ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ أي لا سعة عليهم، ولا راحة لهم هنا ﴿إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ يعني إنهم سيُعانون من حرَّ النار كما عانيناه، فـ﴿قَالُوا أي قال فوج الأتْباع لرؤسائهم: ﴿بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ، فـ ﴿أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا: يعني إنكم الذين قدَّمتم لنا هذا السَكَن في النار (إذ كنتم تأمروننا بالشرك والفجور)، قال تعالى: ﴿فَبِئْسَ الْقَرَارُ يعني: فبئس المُستَقرّ الذي انتهى إليه الطاغون وأتْباعهم في النار، و﴿قَالُوا أي قال فوج الأتْباع داعينَ ربهم: ﴿رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا يعني: مَن كان سببا في عذابنا هذا (بإضلاله لنا في الدنيا): ﴿فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ أي ضاعِف عذابه في النار.


الآية 62، والآية 63، والآية 64:﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى في النار ﴿رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ أي كنا نعتبرهم في الدنيا ﴿مِنَ الْأَشْرَارِ؟ (يقصدون بذلك: المسلمين الذين كانوا يَتَّهمونهم بالتُهَم الباطلة، ويلصقون بهم كل شؤم وشر وفساد)، ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا: يعني هل استهزاؤنا بهم واتّهامنا لهم كان خطأً؟ ﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ: يعني أم أنهم معنا فيالنار، لكنّ أبصارنا ضَلّتْ عنهم فلم تقع عليهم؟، ثم قال تعالى:﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ: يعني إنّ جدال أهل النار وتخاصمهم حَقٌّ واقع لا شك فيه.


الآية 65، والآية 66: ﴿قُلْ - أيها الرسول - مُخَوّفاً لقومك من هذا العذاب: ﴿إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ لكم من عذاب الله إن أشركتم به وعصيتموه، ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ: يعني ليس هناك إله يَستحق العبادة إلا الله وحده، فهو سبحانه ﴿الْوَاحِدُ في ذاتهوأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو ﴿الْقَهَّارُ الذي قَهَرَ كل شيء وغَلَبه، وهو﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي مالك السماوات والأرض ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا، وهو ﴿الْعَزِيزُ في انتقامه ممن أشرك به، ﴿الْغَفَّارُ لذنوب مَن تاب إليه ورجع إلى ما يُرضيه.

من الآية 67 إلى الآية 70: ﴿قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ: يعني إن هذا القرآن - وما يحتوي عليه من تقرير التوحيد والنُبُوّة والبَعث وعَرْض القصص والأحداث ووَصْف الجنة والنار - لَهُوَ خبرٌ عظيم الشأن ﴿أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (لا تتفكرون في أدلته ولا تلتفتون إلى مواعظه، ولا ترغبون في سماعه وتدبُّر مَعانيه)، ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ: يعني لم يكن لي عِلم باختصام ملائكة السماء في شأن خلق آدم، عندما قال الله لهم: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾، فما كانَ لي مِن عِلمٍ بذلك لولا تعليم الله لي،ووحيه إليَّ به، ﴿إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ يعني: ما يُوحِي اللهُ إليَّ مِن عِلْمٍ إلا لأني نذيرٌ لكم من عذابه،مُبَيِّنٌ لكم الحق من الباطل، (فلم يُوحَ إليّ الأمر حتى أكون رئيساً عليكم أو غير ذلك، وإنما أوحِيَ إليّ لتقرير حقيقة واحدة، وهي أني نذيرٌ لكم ولغيركم من عذاب الله المُعَدّ لمن أشرك به في عبادته، وخرج عن طاعته).


الآية 71، والآية 72: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ أي اذكر أيها الرسول لهؤلاء المشركين - الذين أطاعوا عَدوّهم وعَدوّ أبيهم، وعصوا ربهم مِن أجْله - اذكر لهم حين قال ربك للملائكة: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ أي أَكْمَلتُ صورته﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فأصبح حَيّاً: ﴿فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ أي فخِرُّوا له ساجدين (سجود تحيةٍوتكريم، وليس سجود عبادةٍ وتعظيم، لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده)، (وقد حَرَّمالله في شريعة الإسلام سجود التحية: سداً لباب الشرك).


الآية 73، والآية 74: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ كما أمَرهم ربهم، فلم يَمتنع منهم أحد ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ الذي كانَ يَعبد اللهَ معهم، فإنه ﴿اسْتَكْبَرَ أي تكَبّر عن السجود،حَسَدًا لآدم على هذا التكريم العظيم ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ أي: فصارَ إبليس بذلك من الجاحدينَ باللهِ تعالى، العاصينَ لأمره.



الآية 75: ﴿قَالَ اللهُ تعالى - مُنكِرًا على إبليس تَرْكَ السجود -: ﴿يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ: يعني ما الذي مَنَعَك من السجود لمَن أكرمتُه فخلقتُه بيديَّ؟﴿أَسْتَكْبَرْتَ على آدم، ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ أي المُتكبرين على ربك؟، (وفي الآية إثبات صفة اليدينلله تبارك وتعالى، على الوجه اللائق به سبحانه، وأنّ له يَدَيْن ليست مِثل أيْدي المخلوقين، لأنه تعالى ليس كمِثله شيء).


الآية 76:﴿قَالَ إبليس: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ فقد ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (فرأى أن النار أشرف من الطين، وفَضَّلَ ما يراه عقله على الانقياد لأمر ربه).



الآية 77، والآية 78: ﴿قَالَ اللهُ تعالى له: ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا أي اخرج من الجنة ﴿فَإِنَّكَ رَجِيمٌ أي مَطرودٌ من كل خير، ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي أي البُعد مِن رحمتي﴿إِلَى يَوْمِ الدِّينِ: يعنيإلى يوم الجزاء، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ أي جزاءهم الحق.


الآية 79، والآية 80، والآية 81: ﴿قَالَ إبليس: ﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أي أخِّرني في الدنيا إلى اليوم الذي تَبْعَث فيه عبادك (وهو يومالقيامة)، فـ ﴿قَالَ اللهُ له: ﴿فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ أي فإنك مِمَّن أخَّرْتُ هَلاكهم ﴿إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وهو اليوم الذي يموت فيه جميع الخَلق بعدالنفخة الأولى - لا إلى يوم البعث، (وقد أجابَ اللهُ طلبه اختباراً لعباده).


الآية 82، والآية 83:﴿قَالَ إبليس: ﴿فَبِعِزَّتِكَ - يا رب - وعظمتك ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ أي سوف أُضِلُّ ذرية آدم جميعاً عن طريق الهُدى (انتقامًا لنفسي مِن آدم) ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ أي مِن بني آدم، ثم خَصَّهم بقوله:﴿الْمُخْلَصِينَ: يعني إلا عبادك الذين أخلصوا لكالعبادة، فخَلَّصتَهم من السُوء والفَحشاء، فهؤلاء لن أستطيع إضلالهم.






الآية 84، والآية 85: ﴿قَالَ الله تعالى لإبليس: ﴿فَالْحَقُّ يعني: فأنا الحقُّ (أو: فالحَقُّ قولي)، ﴿وَالْحَقَّ أَقُولُ يعني: ولا أقول إلا الحق: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ (والمقصود إبليس وذريته) ﴿وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أي من بني آدم ﴿أَجْمَعِينَ.



الآية 86، والآية 87، والآية 88: ﴿قُلْ أيها الرسول لمُشرِكي قومك: ﴿مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ يعني: إنني لا أطلب منكم أجرًا على تبليغرسالة ربي (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي)، ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ: يعني لا أتكلف كذباً على ربي، فأقول ما لم يَقُله، وما أنذركم به من عند نفسي﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ: يعني ما هذا القرآن إلا تذكيرٌ للجن والإنس (إذ يَتذكرون به ما ينفعهم في دِينهم ودُنياهم)، ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ: أي سوف تعلمون خبر هذا القرآن وصِدقه، حين ينتصر الإسلام، ويدخلالناس فيه أفواجًا، وحين يقع عليكم العذاب، وتنقطع عنكم الأسباب.




من سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

رامى حنفى محمود
شبكة الألوكة






تفسير  سورة ص





#2

افتراضي رد: تفسير سورة ص

رد: تفسير  سورة ص

إظهار التوقيع
توقيع : مريم 2
#3

افتراضي رد: تفسير سورة ص

جزاك الله خيراً



قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
القران الكريم كاملاً بصوت السديس .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
القران الكريم كاملاً بصوت الحصري 2024 .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
مصحف الشيخ ماهر المعيقلي كاملاً بجودة عالية mp3 عاشقة الفردوس القرآن الكريم
أسماء سور القرآن ĦǎḒồỘǒŜĦ Ằŋẵ المنتدي الاسلامي العام


الساعة الآن 08:40 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل