أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي حكمُ قراءةِ القرآنِ الكريمِ بالمقاماتِ الموسيقيةِ




حكمُ قراءةِ القرآنِ الكريمِ بالمقاماتِ الموسيقيةِ




حكمُ قراءةِ القرآنِ الكريمِ بالمقاماتِ الموسيقيةِ

حكمُ قراءةِ القرآنِ الكريمِ بالمقاماتِ الموسيقيةِ

يقول سائل: تبثُّ قناةُ الجزيرة الوثائقية برنامجاً بعنوان “أصواتٌ من السماء” يسردُ قصة قارئٍ من قرَّاء القرآن،
ويتم التركيز في البرنامج على قراءة القارئ بالمقامات الموسيقية، فما قولكم في ذلك، أفيدونا؟لمعرفة الإجابة
تتبعوا هذه السطورمن منتدى عدلات
بسم الله
أولاً: شاهدتُ عدة حلقاتٍ من برنامج “أصواتٌ من السماء” ، والأمرُ الإيجابي فيه أنه يُعرِّف بقرآء القرآن الكريم ، ولكن البرنامج يركز على قراءة القارئ للقرآن الكريم بالمقامات الموسيقية، ويستعين مع الأسف بالموسيقيين والمغنين للتعليق على قراءة القارئ، ومنهم نساءٌ سافراتٍ، بل ومن غير المسلمين من أرباب الموسيقى وأساتذة المعاهد الموسيقية، وحسب ضيوف البرنامج صار القرآن الكريم كأغنيةٍ يؤديها المغني وفق النوتة الموسيقية والسلم الموسيقي، الذي هو عبارة عن تتابع النغمات صعوداً وهبوطاً،وهذا ما يسمونه “المقامات الموسيقية” ويسميها بعضهم “المقامات القرآنية” وهي تسميةٌ منكرةٌ.
ثانياً: لا بد من التعرف على حقيقة المقامات الموسيقية التي يحاكمون عليها قراءة القارئ للقرآن الكريم.
هذه المقامات:[هي أنواع الألحان التي يغني بها أهلُ الغناء ، وقد حصر أهلُ ذلك الفن الألحانَ بأوزان معينةٍ وسمَّوها ” مقامات ” ، وليس هو علمٌ مخترعٌ، بل هو جمع بالتتبع والاستقراء لألحان الناس ، كما فعل الخليل بن أحمد الفراهيدي في أوزان الشِّعر،وكان ما جمعه رحمه الله ستة عشر بحراً،وأما المقامات التي جمعها أهلُ اللحن فقد بلغت ستة مقامات ، وهي :
(1)مقام البيَّات :هو مقام يمتاز بالخشوع والرهبانية ، وهو المقام الذي يجلب القلب ويجعله يتفكر في آيات الله ومعانيها.
(2)مقام الرست :و ” الرِّست ” كلمةٌ فارسية تعني الاستقامة ، ويفضلُ أهلُ المقامات هذا المقام عند تلاوة الآيات ذات الطابع القصصي أو التشريعي.
(3)مقام النهاوند : هذا المقام يمتاز بالعاطفة والحنان والرقة ، ويبعث على الخشوع والتفكر ،و” نهاوند” مدينة إيرانية نسب إليها هذا المقام.
(4)مقام السيكا : وهو مقامٌ يمتاز بالبطء والترسل.
(5)مقام الصبا:وهو مقامٌ يمتاز بالروحانية الجياشة والعاطفة والحنان.
(6)مقام الحجاز وهو مقامٌ من أصلٍ عربي،نُسب إلى بلاد الحجاز العربية،وهو من أكثر المقامات روحانيةً وخشوعاً في القرآن، كذا يقولون.]

وينبغي أن يُعلم أن هذه المقامات لا يجوز نسبتُها إلى القرآن الكريم، فهي علمٌ مستحدثٌ لا يمتُّ إلى علوم القرآن بصلةٍ، وليس لها علاقةٌ بعلم القراءات ولا بعلم التجويد بحالٍ من الأحوال.
والمقامات الموسيقية فارسيةُ المنشأ، نشأت في حاضنات المغنين والمغنيات، مضبوطة بطابع موسيقي يمتاز به صوتٌ معينٌ،ومرتبطٌ بآلات اللهو والطرب، فقراءة القرآن الكريم بالمقامات الموسيقية بدعةٌ لا أصلَ لها في دين الإسلام، فالقرآن الكريم لم ينزل لتطريب الناس وإنما هو دستورٌ للأمة نحسن الصوت به لتحبيب الناس به.
ثالثاً:ينبغي أن يُعلم أن تحسين الصوت بالقرآن الكريم مطلوبٌ شرعاً بلا خلاف، ويكون ذلك بالتزام أحكام التلاوة والتجويد، وتحسين الصوت به يكون بضبط مخارج الحروف والأداء الحسن، وقد وردت عدة أحاديث تدل ذلك منها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منَّا مَن لم يتغَنَّ بالقرآنِ) رواه البخاري ومسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[وقد فسره الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما بأنه من الصوت فيحسنه بصوته ويترنم به بدون التلحين المكروه ]مجموع الفتاوى 11/532.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ ، يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ) رواه البخاري ومسلم.
وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ)رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي.وصححه العلامة الألباني.
وكان أبو مُوسى الأشعريُّ رضِي اللهُ عنه حَسَنَ الصَّوتِ بِالقرآنِ، وذاتَ ليلةٍ استمعَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِتلاوتِهِ فَأعجبَهُ صوتُه، فقال له لَقَدْ أُوتِيتَ مَزْمارًا مِنْ مَزاميرِ آلِ داودَ)رواه البخاري ومسلم.
والمعنى أن الله أعطاك صوتًا حَسَنًا مِثلَ ما كان داودُ عليهِ السَّلامُ ذَا صوتٍ حَسنٍ بقِراءةِ الزَّبورِ، والمِزْمارُ أصلُه الآلةُ التي يُزْمَرُ بها، وآلُ داودَ هنا هو داودُ نفْسُه، وقد كان نبيُّ اللهِ داودُ إليه الْمُنتهى في حُسْنِ الصَّوتِ بالقراءةِ.وحُسْنُ الصَّوتِ يكونُ بحُسْنِ الأداءِ، بِحيث يُبَيِّنُ الحروفَ ويُخْرجُها من مَخارِجِها، حتَّى يبدُوَ القرآن ُواضحًا بَيِّنًا، ويكونُ بحُسنِ النَّغمةِ بالصَّوتِ؛ يُحسِّنُ بها صَوتَه، وكِلاهُما أمْرٌ مطلوبٌ، وحُسنُ الصَّوتِ المطلوبُ هو ما كانَ على طَريقِ التَّحزينِ والتَّخويفِ والتَّشويق بِما يُحقِّقُ مَقصودَه مِن الخَشيةِ والخُشوعِ والتَّفهُّمِ،وليس ما كانَ على طريقِ الألحانِ المُطرِبةِ المُلهيةِ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:[النَّاس مأمورون أن يقرؤوا القرآن على الوجه المشروع, كما كان يقرؤه السلفُ مِن الصحابة والتَّابعين لهم بإحسان, فإنَّ القراءة سنَّةٌ يأخذها الآخِرُ عن الأول, وقد تنازع النَّاس في قراءة الألحان, منهم مَن كرهها مطلقاً؛ بل حرَّمها, ومنهم مَن رخَّص فيها, وأعدل الأقوال فيها أنَّها إن كانت موافقةً لقراءة السَّلف كانت مشروعة, وإن كانت مِن البدعِ المذمومةِ نُهِيَ عنها, والسَّلفُ كانوا يُحسِّنون القرآن بأصواتهم مِن غير أن يتكلَّفوا أوزان الغناء, مثل ما كان أبو موسى الأشعري يفعل, فقد ثبتَ في الصحيح عن النبي أنَّه قال: «لقد أُوتِيَ هذا مزماراً مِن مزامير آل داود», وقال لأبي موسى الأشعري: «مررتُ بك البارحةَ وأنتَ تقرأُ فَجَعَلْتُ أستمعُ لقراءتك»،فقال:لو علمتُ أنَّك تسمع لحَبَّرتُهُ لك تحبيراً،أي: لحسَّنتُهُ لك تحسيناً, وكان عمرُ يقول لأبي موسى الأشعري:يا أبا موسى ذكِّرنا ربَّنا, فيقرأُ أبو موسى وهم يستمعون لقراءته,وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«زيِّنوا القرآن بأصواتكم», وقال:
«للهُ أشدُّ أَذَناً إلى الرَّجلِ الحَسَنِ الصَّوتِ بالقرآنِ مِن صاحب القَيْنَةِ إلى قَيْنَتِهِ»,وقال: «ليس مِنَّا مَن لم يَتَغَنَّ بالقرآن »,وتفسيره عند الأكثرين كالشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما هو تحسينُ الصَّوتِ به, وقد فسَّره ابن عُيينة ووكيع وأبو عُبيد على الاستغناء به,فإذا حَسَّنَ الرَّجلُ صوته بالقرآن كما كان السَّلف يفعلونه -مثل أبي موسى الأشعري وغيره – فهذا حَسَنٌ,وأمَّا ما أُحدِثَ بعدَهم مِن تَكَلُّفِ القراءةِ على ألحان الغناء،فهذا يُنهى عنه عند جمهور العلماء,لأنَّه بدعة, ولأنَّ ذلك فيه تشبيهُ القرآنِ بالغناء, ولأنَّ ذلك يُورِثُ أن يبقى قلبُ القارئ مصروفاً إلى وَزْنِ اللَّفظِ بميزانِ الغناء,لا يتدبَّره ولا يعقله, وأن يَبْقَى المستمعون يُصْغُونَ إليه لأجل الصوتِ المُلَحَّنِ كما يُصْغَى إلى الغناء,لا لأجلِ استماعِ القرآن, وفهمِهِ, وتدبُّره, والانتفاع به.] جامع المسائل 3/301.
حكمُ قراءةِ القرآنِ الكريمِ بالمقاماتِ الموسيقيةِ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً:[ومع هذا فلا يسوغ أن يقرأ القرآن بألحان الغناء ولا أن يقرن به من الألحان ما يقرن بالغناء من الآلات وغيره ] الإستقامة 1/ 246.
وقال الأستاذ الدكتور إبراهيم الدوسري:[القراءة بالألحان لا تخرج عن حالتين:
الحالة الأولى:الألحان التي تسمح بها طبيعة الإنسان من غير تصنّعٍ، وهذا ما يفعله أكثرُ الناس عند قراءة القرآن، فإن كل من تغنّى بالقرآن فإنه لا يخرج عن ذلك التلحين البسيط،وذلك جائزٌ،وهو من التغني الممدوح المحمود،كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ليس منَّا من لم يتغنَّ بالقرآن)وعلى هذه الحالة يحمل الحكمُ بالجواز والاستحباب.
الحالة الثانية:الألحان المصنوعة والإيقاعات الموسيقائية التي لا تحصل إلا بالتعلم والتمرين،ولها مقادير ونسب صوتية لا تتم إلا بها،فذلك لا يجوز؛لأن أداء القرآن له مقاديره التجويدية المنقولة التي لا يمكن أن تتوافق مع مقادير قواعد تلك الألحان إلا على حساب الإخلال بقواعد التجويد،وذلك أمرٌ ممنوعٌ.
يقول ابن القيم:[وكل من له علمٌ بأحوال السلف يعلم قطعاً أنهم برءاءُ من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة،وأنهم أتقى لله من أن يقرؤوا بها ويسوِّغوها،ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب،ويحسِّنون أصواتهم بالقرآن،ويقرؤونه بشجى تارةً،وبطربٍ تارةً،وبشوقٍ تارةً،وهذا أمرٌ مركوزٌ في الطباع تقاضيه،ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له،بل أرشد إليه وندب إليه،وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به،وقال ليس منَّا من لم يتغنّ بالقرآن)،وفيه وجهان:أحدهما:أنه إخبار بالواقع الذي كلنا نفعله،والثاني:أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته] زاد المعاد في هدي خير العباد 1/493.
ويقول ابن كثير:[والغرض أن المطلوب شرعاً إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة،فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي فالقرآن ينزه عن هذا ويُجلّ،ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب ]فضائل القرآن ص 114.
رابعاً:إذا تقرر هذا،فإن قراءة القرآن الكريم بهذه المقامات على الإيقاعات الموسيقية، والتمطيط المذموم القبيح،وترديد الأصوات،وكثرة الترجيعات الغنائية،من الأمور المنكرة ومن البدع المحدثة، وقد أنكرها علماءُ القراءات والتجويد المعاصرون،ومنهم الدكتور أحمد المعصراوي شيخ عموم المقارئ المصرية،فقد تبرأ من هذه البدعة،واعتبرها إساءةً لكتاب الله سبحانه وتعالى.
وممن تبرأ منها الدكتور أيمن رشدي سويد وسماها مهزلةً حيث قال:[قراءة القرآن الكريم بالمقامات الموسيقية بدعةٌ لا أصلَ لها في الدِّين،وهو علمٌ فارسيُ الأصل،يستعمل في الغناء والإنشاد،وله موازين تتعارض تماماً مع موازين الأداء القرآني،وحكمُ قراءة القرآن الكريم بالمقامات الموسيقية دائرٌ بين الكراهة إن حصلت المحافظة على أحكام القراءة ولا يكاد يوجد هذا، وبين الحرمة إن حصل الإخلال بها وهو الغالبُ على القارئين بالمقامات الموسيقية،ولا يغرنكم العبثُ بالقرآن الكريم الذي نشاهده على قناة الفجر التي انحرفت عن مسارها لتجني الأرباح بالباطل عن طريق رسائل SMS.جزى اللهُ من ساهم بنشر هذا الكلام بين طلاب العلم حتى يعلم الناسُ حقيقة هذه المهزلةt
وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز:
[لا يجوز للمؤمن أن يقرأ القرآن بألحان الغناء وطريقة المغنين بل يجب أن يقرأه كما قرأه سلفنا الصالح من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان،فيقرأه مرتلاً متحزناً متخشعاً حتى يؤثر في القلوب التي تسمعه وحتى يتأثر هو بذلك.أما أن يقرأه على صفة المغنين وعلى طريقتهم فهذا لا يجوز ]مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز 9/290.
وورد في فتوى لمركز الفتوى على الشبكة الإسلامية:[فليس في القرآن الكريم وعلومه ما يسمى بالمقامات الصوتية،ولا علاقة له بالتجويد وأحكامه؛بل هو من ابتداع المبتدعين،ونشأ في أحضان المغنين والمطربين،وعلى المسلم أن يبتعد عنه ويقرأ كتاب الله كما أنزل مرتلاً، وكما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:{وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا}وقال تعالى:{وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}وقد جاء بيان الترتيل ومراتب التلاوة في كتب التجويد، وطبقه الحفاظُ والقراءُ أمام الطلبة، وأخذه الخلفُ عن السلف،وليس من ذلك هذه المقامات الصوتية المحدثة] اسلام ويب
وورد في فتوى أخرى:[فالمقامات المذكورة…تدخل ضمن الموسيقى المحرمة التي لا يجوز تعلمها ولا تعليمها ولا العمل بها،لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لَيَكونَنَّ مِن أُمَّتي أقْوامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخَمْرَ والمَعازِفَ)أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم، فهو صحيح.
ولفظ (المعازف)عامٌ يشمل جميع آلات اللهو، فتحرمُ إلا ما ورد الدليلُ باستثنائه كالدف فهو مباح.
وقوله صلى الله عليه وسلم (يستحلون) من أقوى الأدلة على تحريم المعازف إذ لو كانت المعازف حلالاً فكيف يستحلونها!.
وأيضا: دلالة الاقتران في الحديث تفيد التحريم،حيث قرن المعازف مع الخمر والحرير الحِرَالزنا) وهي محرماتٌ قطعاً بالنص والإجماع.
وقد دل على حرمة القراءة بألحان هذه المقامات أمور:
الأول: أن ذلك ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح رضي الله عنهم، بل كانوا يقرؤون القرآن دون هذا التكلف، كما أقرأهم إياه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن قدْرَ كتاب الله في نفوسنا، وجلالته وعظمته ومنزلته في ديننا،أعظم من أن نقرأه بألحان أهل الفسق والمجون،الذين لا يستخدمونها إلا في الغناء والرقص والمحرمات.
الثالث: أن القارئ بها ينبغي عليه أن يتعلم تلك المقامات الموسيقية وتلك الألحان،كي يستطيع بعد ذلك القراءة على نفس المنوال، بل قد وصل الحدُّ ببعضهم إلى أن يستمع الأغاني ويطرب بها ويلتذّ، بزعم أنه يتعلّم المقامات ليقرأ القرآن بها،وهذا أمرٌ مشاهدٌ،وواقعٌ محسوسٌ،لا مجال لإنكاره،ولا سبيل لإغفاله،وكفى به مفسدة للقول بالمنع.
الرابع: ورود النهي عن ذلك في السنن والآثار، ومنها:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وأَصْوَاتِها، وَإِيَّاكُمْ ولُحُونَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَأَهْلِ الْفسقِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ بَعْدِي قَوْمٌ يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ وَالنَّوْحِ،لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، مفتونةٌ قُلُوبُهُمْ، وقلوبُ مَنْ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ” أخرجه الطبراني في الكبير، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، ومال ابن القيم إلى الاحتجاج به.-والحديث ضعفه الألباني في “ضعيف الجامع” –
ووجه الدلالة منه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقراءة القرآن الكريم، وفقاً لطريقة العرب في تحسين أصواتهم به،وحذر من اتباع أهل الفسق في طرائقهم المتبعة في قراءته،من مراعاة الأنغام والتطريب المستفاد من الموسيقى التي تصحب الغناء غالباً،أو يطرب لها من يسمعها،ويبالغ أربابها في إتقانها.
وعن عبس الغفاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ شَرَائِطَ السّاعَةِ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنْهَا: (أَنْ يُتّخَذَ الْقُرْآنُ مَزَامِيرَ يُقَدّمُونَ أَحَدَهُمْ لَيْسَ بِأَقْرَئِهِمْ وَلَا أَفْضَلِهِمْ مَا يُقَدّمُونَهُ إلّا لِيُغَنّيَهُم غِنَاءً) أخرجه الطبراني في الأوسط.
ووجه الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم عدَّ الافتتان بالتطريب بالقرآن والتغني به على أوزان الألحان من علامات الساعة، وهذا غاية في الإنكار.
روي أن زياد النهدي جاء إلى أنس رضي الله عنه مع القراء، فقيل له: اقرأ، فرفع زياد صوته بالقراءة وطرب، وكان رفيع الصوت، فكشف أنس عن وجهه -وكان على وجهه خرقة سوداء- وقال: يا هذا ما هكذا كانوا يفعلون، وكان أنس إذا رأى شيئاً ينكره رفع الخرقة عن وجهه” انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم 1/137
ووجه الدلالة منه: أنّ أنساً رضي الله عنه أنكر على زياد تطريبه بالقراءة، وبيَّن له أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لم يكونوا يفعلونه في قراءتهم للقرآن الكريم، وهذا منهم لا يكون إلا عن توقيف، لأنه لا مدخل للرأي فيه.]

خامساً:إن القرآن الكريم كتابُ هدايةٍ، ودستورٌ ومنهاجٌ للأمة، وقد أُنزل القرآنُ ليسير الناسُ وفق هداه ويطبقوه في حياتهم، قال الله تعالى:{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً}سورة الإسراء الآية 9.
وقال تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً}سورة الكهف الآيات 1-3.
وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} سورة يونس الآية 57.
وقال تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء}سورة الزمر الآية 23.
وقال تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} سورة ق الآية 37، وغير ذلك من الآيات الكريمات.
ولم ينزل القرآن الكريم لتطريب الناس دون فهمٍ لمعانيه السامية ، وتعجب من بعض السامعين لكلام الله من القراء المشهورين،عندما يقرأ آياتٍ في وصف العذاب الشديد فتجدهم يطربون ويصدرون صيحاتٍ تدل على جهلهم،وأنهم لا يدركون معاني القرآن!
إن تعظيم كتاب الله أمرٌ واجبٌ في حق كل مسلمٍ، ومَنْ وقَّر القرآنَ فقد وقَّر الله سبحانه وتعالى،ومَنْ استخف بالقرآن،فقد استخف بالله تعالى:{ ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال عظموا القرآن ) تفسير القرطبي 1/29 .
إن مكانة كتاب الله تعالى في نفوس المسلمين،وجلالته وعظمته ومنزلته في ديننا،كلُّ ذلك يدفعنا لصون كتاب الله عن هذه الترهات، ويجب شرعا ً صيانتهُ عن ألحان أهل الفسق والمجون، ومنع العابثين به من الموسيقيين وأشباهم ، ومن بعض القرآء المستأجرين.
وقد ذكر العلماء جملة من الآداب التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها قارئ القرآن الكريم . انظر التبيان في آداب حملة القرآن للإمام النووي .
حكمُ قراءةِ القرآنِ الكريمِ بالمقاماتِ الموسيقيةِ

وخلاصة الأمر:
أن برنامج “أصواتٌ من السماء” يركز على قراءة القارئ للقرآن الكريم بالمقامات الموسيقية، وحسب ضيوف البرنامج صار القرآن الكريم كأغنيةٍ يؤديها المغني وفق النوتة الموسيقية والسلم الموسيقي.
وأن ما يسمونه “المقامات القرآنية” تسميةٌ منكرةٌ، فلا يجوز نسبتُها إلى القرآن الكريم.
وأنها علمٌ مستحدثٌ لا يمتُّ إلى علوم القرآن بصلةٍ، وليس لها علاقةٌ بعلم القراءات ولا بعلم التجويد بحالٍ من الأحوال، وهي فارسيةُ المنشأ.
وأن تحسين الصوت بالقرآن الكريم مطلوبٌ شرعاً بلا خلاف، ويكون ذلك بالتزام أحكام التلاوة والتجويد، وتحسين الصوت به يكون بضبط مخارج الحروف والأداء الحسن.
وأن قراءة القرآن الكريم بهذه المقامات الغنائية من الأمور المنكرة ومن البدع المحدثة،وقد أنكرها علماءُ القراءات والتجويد المعاصرون كالدكتور أحمد المعصراوي شيخ عموم المقارئ المصرية،فقد تبرأ من هذه البدعة،واعتبرها إساءةً لكتاب الله سبحانه وتعالى.وتبرأ منها الدكتور أيمن رشدي سويد وسماها مهزلةً.
وأن مكانة كتاب الله تعالى في نفوس المسلمين،وجلالته وعظمته ومنزلته في ديننا،كلُّ ذلك يدفعنا لصون كتاب الله عن هذه الترهات،ويجب شرعا ً صيانتهُ عن ألحان أهل الفسق والمجون،ومنع العابثين به من الموسيقيين وأشباهم،ومن بعض القرآء المستأجرين.
والله الهادي إلى سواء السبيل..الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة.

حكمُ قراءةِ القرآنِ الكريمِ بالمقاماتِ الموسيقيةِ





إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله



الساعة الآن 06:59 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل