أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل



https://adlat.net/showthread.php?t=96823
1689 2
#1

افتراضي لم.. ولن..!!

إنَّ رحى الأيَّام تدور، وتدور معها الأحداثُ الممْلوءة بالعبر والعِظَات، وفق سُنن إلهيَّة لم تتغيَّر ولن تتبدَّل؛ لأنَّ المتحكم فيها هو ربُّنا الحكيم العليم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾ [فاطر: 43]، ﴿ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب: 62].

ومن هذه السُّنن التي لم تتحوَّل ولن تتبدَّل: أنَّ النَّصر والتَّمكين للمؤْمِنين، وأنَّ الخزي والخُسْران على الكافرين، يقولُ ربُّنا: ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]، ولقد جاء في تفْسير هذه الآية: إنَّه ليس لأصحاب الدَّعوة إلى ربِّ العالمين إلاَّ مَلاذٌ واحد، وهو الملاذ الحصين الأمين، وإلاَّ وَلِيٌّ واحد وهو الوليُّ القوي المتين، وعليهم أن يَصبروا حتَّى يأْذن الولي بالنَّصر في الوقت الَّذي يقدِّره بحكمته وعِلْمه، وألاَّ يَعْجَلوا، فهم لا يطَّلعون الغيبَ، ولا يعلمون الخير، وإنَّ الأرض لله، وما فرعون وقومُه إلاَّ نزلاء فيها، والله يورِثُها مَن يشاء من عبادِه - وفق سنَّته وحكمته - فلا ينظر إلى ظواهر الأمور، التي تخيل للنَّاظرين أنَّ الطاغوت مكينٌ في الأرض غير مزحْزح عنها.

إذا كان السَّبق الآن للكافرين، فذلك بسبب عرج الَّذين معهم الحقُّ، أو بسبب العرْقلة المقصودة من أهل الباطل، ولكن هذا السَّبق لن يطول، وهذه الإعاقة لن تستمرَّ؛ لأنَّ السُّنن الإلهيَّة علَّمتْنا ذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصَّافات: 171 - 173]، وأنَّ السنن علَّمتْنا أيضًا أنَّ المفسدين لم ولن تكون لهم قائمة ولا حضارة، ولا أرض؛ لأنَّ الأرض يورثها اللهُ لأهل الصَّلاح لا أهلِ الطَّلاح؛ يقول سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105].

ومن سُنن الله في كونه - كما بيَّنت - أنَّ الخِزْي والخسران على الكافرين، بل أمرنا الله أن نتحسَّس هذه السُّنن؛ كي تطمئنَّ قلوبُنا بوعده؛ قال تعالى: ﴿ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137]، وقال سُبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي البِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ ﴾ [الفجر: 6 - 12].

ولكي تتحقَّق سنَّة التمكين للمؤمنين في الأرض لا بدَّ أن نلتفِتَ إلى أمر هو أيضًا من سنن الله في كونه؛ ألاَ وهو: لا نصرَ... لا تَمكينَ... إلاَّ مِنْ رَحِم الابتلاء.
﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4]، فالله يبتلي العبدَ قبل أن يمكِّن له؛ ولذلك سأل رجلٌ الشَّافعي - رحمه الله - فقال: يا أبا عبدالله، أيُّهما أفضل للرَّجُل: أن يُمكَّن، أم يُبتلى؟ فقال الشَّافعي: "لا يمكَّن حتَّى يُبتلى، فإنَّ الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا - صلوات الله وسلامه عليْهم أجْمعين - فلمَّا صبروا، مكَّنهم الله".

وقال المتنبي:
تُرِيدِينَ إِدْرَاكَ الْمَعَالِي رَخِيصَةً لم.. ولن..!!


وَلا بُدَّ دُونَ الشَّهْدِ مِنْ إِبَرِ النَّحْلِ لم.. ولن..!!



فالابتِلاء قبل التَّمكين سنَّة ماضية باقية، فالله يختبر عبادَه بالخوف والأمن، والمرض والصِّحَّة، والموت والحياة، والرَّفع والخفض، والضَّحك والبكاء؛ ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴾ [النجم: 42 - 44].

وقد يصل الابتِلاء - وهذا الأمر عادةً يكون قبل النَّصر والتَّمكين مباشرة - إلى الزلْزلة، وهذا ما أفصح عنه القُرآن: ﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾ [الأحزاب: 11].





ولَمَّا تلقَّى المؤمنون الزَّلازل بقلوبٍ ثابتة، انقلبت المخاوف والزَّلازل إلى نصْر وتمكين؛ ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [الأحزاب: 25 - 27].

وليعلم كلُّ مسلم أنَّ الزلازل وإن أحدثتْ شُروخًا وتصدُّعًا في ظاهر الأمر، فإنَّها تعْكس ثباتًا ويقينًا في قلب المؤمن، فما من مِحْنة إلاَّ وكانت للمؤمن عافية في الدُّنيا وذخرًا في الآخرة، وهذا ما حكاه القُرآن: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214]، فالنَّصر القريب الَّذي وعد به ربُّ العالمين في الآية جاء بعد البأْساء والضَّرَّاء والزَّلازل، وذلك يدلُّ على أهمية الثبات عند الابتلاء؛ لأنَّ الثَّبات في الْمِحَنِ عاملٌ مهمٌّ في تحقيق النَّصر والتَّمكين، فرغْم تجمُّع الأحزاب على المسلمين، فإنَّ المسلمين ثبتوا وتَماسكوا؛ ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22].

هذا الثَّبات هو الذي يغيِّر ولا يتغيَّر، ولقد ثبت رسولُنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمام الابتِلاءات حتَّى استطاع ومعه فئة قليلة - ولكنَّها مؤمنة ثابتة لم تُبدِّل -: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]، استطاع أنْ يَبني هؤلاء الرِّجال في فترة وجيزة عَجَز العالم أنْ يأتي بِمثلِهم، هؤلاء الرِّجال هم الذين فتحوا البلاد وحرَّروا العبادَ والمقدَّسات، فمنهم أبو بكر الصدِّيق - رضي الله عنْه - الَّذي هبَّت ريحُ الرِّدَّة وهاجت في عصره، فردَّها بثباتِه ويَقينِه في ربِّه: "والله، لو منعوني عقالاً كانوا يُؤدُّونه إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَقاتلْتُهم على مَنعه"، فقال عمر: "فوالله، ما هو إلاَّ أن رأيت الله قد شرح صدْرَ أبي بكرٍ للقتال، فعرفت أنَّه الحقُّ".

والفاروق عمر - رضي الله عنْه - الَّذي تسلَّم مفاتيحَ العزَّة والكرامة، فسلِّمَت له مفاتيح القدس!

وهكذا ظلَّ الرِّجال يبنون الحضارات، ويُشيدون البنيان، وظلَّ مصنع تخريج الرِّجال مستمرًّا قرونًا؛ ((خير النَّاس قرْني، ثمَّ الَّذين يلونَهم، ثمَّ الَّذين يلونَهم، ثمَّ يَجيء أقوامٌ تسبق شهادة أحدهم يَمينَه، ويَمينُه شهادتَه))؛ متَّفق عليه، واللَّفظ للبخاري.

ومصنع تَخريج الرِّجال لم يصبح خارجَ نطاق الخدْمة إلاَّ بعدما فُصِل عنه شاحنُ الإيمان والثِّقة في الرَّحمن، فأصبح صغار النَّاس لهم كلمة، بل يأْمرون ويَنْهَون.

يا أمة الإسلام:
لَم ولن يأتي النَّصر والتَّمكين إلاَّ إذا عاد هذا المصنع إلى عمله مرَّة أخرى، وعمِلت فيه سواعد قويَّة، تأكل من غرسها وحرثها، ولا تتسوَّل على موائد اللِّئام، وأن يُخرج لنا هذا المصنع جيلاً من الخبراء والفنِّيِّين في جميع المجالات؛ حتَّى لا تظلَّ أغلب الدُّول العربيَّة تستورد الخبراء كما تستورد الخامات.

إنَّ هذا المصنع يَجب عليه أن يحرِّك كل ترس فيه، ولا يتركه هملاً، فكلُّ ما في المصنع نَحتاج إليه، فهو لبِنة في صرح الحضارة الإسلاميَّة.

نَحتاج إلى مصنع يعمل فيه العاملون أكثر ممَّا يتكلَّمون، يعملون فيه بنظام وتحت قيادة راشدة؛ لنُصبح أمَّة واحدة كما أراد الله لنا، أمَّة الإيمان واليقين والأخلاق والمعاملات، ساعتَها لم ولن تقهر هذه الأمَّة بأمر الله.



إظهار التوقيع
توقيع : اماني 2011
#2

افتراضي رد: لم.. ولن..!!

بارك الله بكى
إظهار التوقيع
توقيع : قطر الندا
#3

افتراضي رد: لم.. ولن..!!

بارك الله فيكى
إظهار التوقيع
توقيع : هبه شلبي


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
"عمل الدونات ولن يستغرق الأمر معك الكثير،"‘^‘ محبه الحياة الحلويات الشرقية والغربية
فى قضية قطع طريق قليوب.. بديع للمحكمة: لم ولن نرفع السلاح فى وجه مصر سارة سرسور اهم الاخبار - اخبار يومية
"رئيس الوزراء": مصر جزء فعال من العالم ولن ننغلق على أنفسنا لولو حبيب روحي اهم الاخبار - اخبار يومية
تأملات في قوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى} رووية ورهوف القرآن الكريم
سأرحل ولن أعود أبداً... رحاب العابدي منوعات x منوعات - مواضيع مختلفة


الساعة الآن 10:44 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل