يقول الكاتب المصري محمد أبو الغار فى كتابه «يهود مصر من الازدهار إلى الشتات»
وقد كانت هناك جالية يهودية في الإسكندرية منذ نشأتها، وكان عدد يهود الإسكندرية في القرن التاسع عشر نحو 4 آلاف يهودي، ووصل عددهم إلى 18 ألفا في أوائل القرن العشرين، وارتفع إلى أربعين ألفا عام 1948، وكانت الهجرة من اليونان وتركيا وسورية ولبنان وفلسطين والمغرب وكذلك ايطاليا وفرنسا وكان نصف يهود الإسكندرية من اليهود المصريين والنصف الآخر ينقسم إلى ثلاثة أقسام أولهم اللادينو من سكان البحر الأبيض المتوسط الذين هاجروا من أسبانيا والثلث الثاني من يهود إيطاليا وشرقي أوروبا، والثلث الثالث من يهود المغرب والشرق الأوسط الذين يتكلمون العربية
وفي أوائل الثلاثينات هاجرت مجموعة من يهود سالونيكي والنمسا والمجر وبولندا إلى مصر هربا من صعود النازية في ألمانيا.الهجرة إلى فلسطين عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، قامت السلطات العثمانية في فلسطين بترحيل نحو خمسة آلاف يهودي إلى مصر
وحسبما يورد الكتاب فان سوارس رئيس الجالية اليهودية في الإسكندرية قام بالضغط على
القنصليات الأجنبية في الإسكندرية لتلعب دورا في حماية ومساعدة اليهود، وقد أنشأت الجالية مدارس لأطفالهم وكان عدد التلاميذ يتعدى الالف، وكانت لغة التدريس هي العبرية وظلت هذه المدارس مفتوحة لمدة 3 سنوات حتى عام 1918 حين عاد اليهود إلى القدس مرة أخرى وساهم في توفير الأموال اللازمة للمهاجرين يهود القاهرة وإنجلترا وأميركا.
وكان اليهود المصريون يعاملونهم بكثير من
الحذر والقلق لانهم لاحظوا انهم مختلفون، بينما كان اليهود المهاجرون يعتقدون أن اليهود المصريين كسالى ومحافظون للغاية.ويشير أبو الغار الى ان اليهود لعبوا دورا مهما في مصر الحديثة
التي يمكن أن يعد قدوم الحملة الفرنسية نقطة بداية لها، وكانت دعوة نابليون اليهود إلى الوقوف في صفه ومساعدته وما أبداه من تعاطف مع فكرة إعطاء وطن قومي لليهود هي أول بادرة في هذا الاتجاه من قوة أوروبية كبرى.
واثناء حكم محمد علي حدث انفتاح كبير في مصر على الأوروبيين والأرمن ومختلف الجنسيات الأجنبية.وقد بدأ اليهود حينئذ يحتلون وضعا متميزا، ووصل عددهم لما يقرب من تسعة الاف يهودي في عهده. وبدأت الجالية اليهودية تتبوأ مناصب مهمة، وكان أهمهم يعقوب مؤسس عائلة قطاوي الشهيرة، وقد تولى منصب رئيس الصرافيين وجامعي الضرائب وعدة مناصب توازي منصب وزير الخزانة الآن، وفي تعداد عام 1927 أصبح عدد اليهود 55063 ثم اصبح 64165 عام 1947 وهو اخر تعداد قبل هجرة اليهود النهائية من مصر خلال العقد التالي، وهناك من يقدرهم بنحو 75 الفا حيث ان الكثيرين منهم لم يسجلوا انفسهم في التعداد.وقد لعب اليهود دورا كبيرا ـ حسب الكتاب ـ في الاقتصاد المصري فمنهم شيكوريل الذي أسس متاجر شيكوريل وريكو وساهم في تأسيس بنك مصر.
وكان شيكوريل الأب رئيسا للغرفة التجارية المصرية وقاضيا في المحكمة المختلطة وانشأ سوارس بنكا، وسمي احد ميادين القاهرة المهمة باسمه، لكن تغير الاسم عام 1922 إلى ميدان مصطفى كامل. وهناك موسى قطاوي الذي أسس خط سكة حديد أسوان وشرق الدلتا وشركة ترام وسط الدلتا. وهناك أيضاً عائلة منشه ـ من اصل نمساوي ـ وعاشت في الإسكندرية وحضر عميدها إلى مصر أثناء افتتاح قناة السويس وبدأ حياته صرافا ثم اشترك في مشروعات كثيرة. مشروع استيلاء على وطن
* تذكر كتب التاريخ ان هناك ثلاثة مشروعات للاستيطان اليهودي أثنان منها في مصر احدهما في منطقة شرم الشيخ، وآخر في العريش، اما الثالث فكان في فلسطين. وقد فشل مشروع شرم الشيخ الذي بدأ نهاية القرن الـ 19 بسبب المعارضة العثمانية، وهجوم زعماء البدو، ثم كان مشروع العريش الذي يذكر أبو الغار أنه وافقت عليه بريطانيا، كما يذكر المؤلف.. وقد وصلت البعثة الصهيونية إلى مصرعام 1903 لعمل ترتيبات لاستيطان منطقة العريش وهجرة ملايين اليهود اليها، مع عمل الترتيبات اللازمة لفتح مياه النيل إلى المنطقة.
لكن المشروع تأجل بسبب معارضة قوية من اللورد كرومر بالرغم من موافقة الحكومة البريطانية، فقد كان يرفض أن يتدخل أحد في مشروعاته الزراعية في مصر التي تعتمد على النهر.ويذكر الكتاب إلى ان أول جمعية صهيونية في مصر تكونت عام 1897 وسرعان ما تكونت 14 جمعية في القاهرة والإسكندرية واتحدت عام 1917 وكونت الاتحاد الصهيوني وكان رئيسه جاك موصيري واصدروا مجلة «إسرائيل» بالفرنسية، ونظموا احتفالا كبيرا بمناسبة إصدار وعد بلفور، حضره 8 آلاف يهودي، كما ارسل موصيري برقية شكر إلى رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج. ومعروف ان 4 الاف يهودي فقط غادروا مصر إلى فلسطين في الفترة من 1917 ـ إلى 1947 ومعظمهم لم يكونوا مصريين أصلا بل مغاربة ويمنيين واشكيناز ويرجع البعض ذلك إلى الحالة المادية الممتازة لليهود المصريين والأمن الذي كان يتمتعون به.
خروج اليهود
لكن كان لقيام اسرائيل عام 1948 واندلاع الحرب بين اليهود والعرباثره في تحديد دور طائفة اليهود في مصر، وبعد قيام ثورة يوليو، ازداد الموقف اضطرابا، بعد ان تغيرت موازين القوى بين العائلات اليهودية والسلطة الحاكمة في مصر،فقام معظمهم بتصفية اعماله واملاكه، وهاجر الكثير منهم الى اوروبا واميركا واسرائيل.
وقد ازدادت هجرة اليهود من مصر بعد فضيحة لافون عام 1955، تلك العملية التي حاول فيها الموساد الاسرائيلي افساد العلاقة بين مصر والدول الاجنبيةعن طريق اظهار عجز السلطة عن حماية المنشآت والمصالح الاجنبية. وقتها كان عدد اليهود في مصر 145 الف يهودي جرى تهريبهم بأموالهم عن طريق شبكة «جوشين» السريةالتي كانت تتولى تهريب اليهود المصريين الى فرنسا ـ ايطاليا ـ ثم الى اسرائيل.
وقد تضاربت الآراء حول مسألة خروج اليهود من مصر، البعض اكد ان عبدالناصر طردهم، واخرون قالوا انهم خرجوا من تلقاء انفسهم
يقول الدكتور محمد ابو الغار
لماذا خرج اليهود من مصر؟ يقول أبو الغار ان ما حدث للفلسطينيين في الأربعينات غير مسار الشارع من تيار مصري وطني إلى تيار عربي قومي، ولو كان اليهود المصريون يريدون فعلا ان ينصهروا في بوتقة الشعب المصري لأعلنوا بوضوح ان ما يحدث في فلسطين عمل غير إنساني، وانهم يتفقون مع الشعب المصري في تأييده للفلسطينيين، لكن ذلك لم يحدث، بل بالعكس عندما قويت شوكة الدولة اليهودية حتى قبل إعلانها تحول بعض اليهود المصريين إلى الصهيونية وبدأت هجرة البعض إلى إسرائيل
وعندما قامت ثورة يوليو 1952 كانت حريصة على طمأنة اليهود والحفاظ على ممتلكاتهم وأمنهم، وكانت هناك أقاويل عن احتمال قيام مباحثات بين عبد الناصر وإسرائيل لكن الحكومة الإسرائيلية سرعان ما نفذت عملية سوزان التي جندت فيها يهودا مصريين، والتي يعتبرها أبو الغار أظهرت اليهود بمظهر الطابور الخامس في وطنهم، وردا على إعدام اثنين من الإرهابيين اليهود، قامت اسرائيل بالهجوم على غزة، ثم كان العدوان الثلاثي الذي اشتركت فيه إسرائيل بدون سبب وشارك ضمن جنودها اليهود المصريون الذين جندوا في إسرائيل ومن الأسباب أيضا ازدياد نفوذ الصهيونية العالمية التي ضغطت على اليهود المصريين لترك مصر ترغيبا في حياة افضل في إسرائيل
كما ان التوجه المصري كان ضد القوى المرتبطة بقوى أجنبية وبهذا خرج من مصر ما بين عامي 56 و1960 نحو 36 ألف يهودي منهم 13 ألف يهودي نقلتهم الوكالة اليهودية إلى إسرائيل وبقيت أعداد قليلة اخذت تهاجر رويدا رويدا حتى لم يتبق منهم سوى 300 يهودي فقط عام 1970 من اصل ألف يهودي في عام النكبة
ويقول الدكتور نبيل عبد الحميد استاذ التاريخ المعاصر والحديث:
كل الظروف تضافرت في اخراج اليهود من مصر بعد الثورة فعبد الناصر كزعيم له مسار وطني شعر أن من واجبه اخراج اليهود، وبخاصة بعد فضيحة لافون، بالاضافة الى ان الفكرة الصهيونية سيطرت على عقول اليهود في مصر ففي اسرائيل كانوا يروجون لفكرة ارض الميعاد، والاستقرار والوطن القومي، وهذه تيمات عزف عليها الصهاينة لكن الترحيل الفعلي لباقي اليهود تم بعد عام 1961 بعد صدور قرارات التأميم، فلم يعد لليهود مكان في الحياة الاقتصادية ففروا بأموالهم وانفسهم.
لكن ينبغي الا ننسى ان هناك يهودا لم ينظروا لديانتهم على انها جنسية، ولكنها مجرد ديانة وكانوا مصريين حتى النخاع، وهناك المحامي الشهير المصري اليهودي شحاته هارون الذي اصر على عدم ترك مصر، ومات فيها وبعد وفاته رفضت عائلته استقدام حاخام من اسرائيل للصلاة عليه.
أما د. رفعت السعيد امين عام حزب التجمع يقول: 80% من سماسرة البورصة المصرية كانوا يهودا ولكن لا ننسى ان الثورة لم تتعرض لمشكلة اليهود الا بعد عدوان 1956 لانه لم تظهر مشكلة منهم قبل ذلك، وليس صحيحاً انه تم ترحيل اليهود بسبب ديانتهم، ولكن بسبب الخوف من أن يصيروا طابورا خامسا لاسرائيل في مصر. ورغم ذلك بقي في مصر عدد من اليهود الذين لم يكونوا على علاقة باسرائيل والرافضين للصهيونية.
والثورة لم تفكر في التصدي لمشكلة اليهود بعد قيامها لانها لم تكن مستعدة لاستيعاب البنية الاقتصادية المملوكة لليهود ولا شك ان هناك يهوداً ظلموا من جراء هذا القرار والنتائج طبعا كانت تركهم لمصانعهم وارضهم وشققهم وكلنا يعلم اين ذهبت شقق اليهود اخذتها الحراسة وتم توزيعها على ضباط الجيش.
ويقول د. يونان لبيب رزق: خروج اليهود من مصر بدأ مع تقدم القوات الالمانية في صحراء مصر الغربية فقد خشي اليهود من انتصار الالمان في الحرب، وتكرار مذابح النازي في مصر ففروا الى جنوب افريقيا ومع قيام الثورة كان هناك حرص على عدم الصدام باليهود لكن اول صدام بين اليهود والثورة كان بعد غارة اسرائيل على غزة عام 1955، ثم كانت التصفية الاجبارية بعد عدوان 1956 كان اليهود شاعرين بوجود عداء ضدهم في الوقت الذي بدأ فيه تمصير المؤسسات الاقتصادية فشعروا ان هناك اتجاهاً ضدهم. ولا شك ان اسرائيل كسبت من يهود مصر الذين مثلوا اضافة اقتصادية لها، والان لا نستطيع القول هل اخطأ عبد الناصر أم لا، فالمسائل لا تؤخذ الا بوضع الظروف التاريخية ال
محيطة بالقرار في عين الاعتبار.
ويؤيد خالد محيي الدين عضو مجلس قيادة ثورة يوليو ذلك قائلا: كان الجو العام ضد اليهود، الناس في الشارع كانت ترفض ما يحدث، ليس السلطة بمفردها، وعبد الناصر كان حريصاً على ان يمنعهم من اللعب بمقدرات البلاد، وامسك البلد بيد من حديد، وهذا لم يرض اليهود، وكان خروج الكثير منهم بعد عام 1956
حارة اليهود
لم تكن حارة اليهود حارة بالمعنى الحرفي، فهي كما يورد أبو الغار، في الحقيقة حي كامل فيه شوارع وحارات كثيرة متصلة ببعضها البعض، وتقع في وسط القاهرة بين القاهرة الإسلامية والخديوية،
وسكنها أعداد كبيرة من المسلمين والأقباط. وكان سكانها من اليهود مرتبطين بأمرين أولهما الدخل المحدود والثاني القرب من مصادر الرزق بالنسبة للحرفيين في الصاغة وغيرها. أما من تحسنت احواله المادية فكان يهجر الحارة إلى عابدين أو باب اللوق أو باب الشعرية. ومن يغتني أكثر، ينتقل إلى العباسية أو مصر الجديدة، ولم تكن الحارة ـ الشهيرة ـ مكانا إجباريا ملزما لسكن اليهود في أي زمان من التاريخ الحديث لمصر.
المعابد اليهودية فى مصر
معبد القاهرةالكبير
تمتع يهود مصر بحريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية واستفادوا منمساندة الحكومة المصرية لهم والتي تمثلت في تزويدهم بأراضي البناء واموال لاقامةالمعابد، اشهر تلك المعابد والموجودة حتى الان معبد القاهرة الكبير في 17 شارع عدليوقد شيدته عائلة موصيري عام 1903 ويعد من اجمل المعابد اليهودية في القاهرة، تمتجديدة عام 1981 باموال تبرع بها المليونير الصهيوني «نسيم جاعون». هذا المعبد يحرصعلى زيارته السائحون اليهود والطائفة اليهودية في مصر يؤدون صلواتهم فيه، قام شيمعون بيريس بافتتاح تجديد المعبد رسميا عام 1990.
معبد فيثالي مادجار
معبد فيثالي مادجار بشارع المسلة
وهو على بعد خطوات من قصر الرئاسة المصرية بمنطقة مصر الجديدة
معبد مائير انائيم
المعادي يوجد معبد مائير انائيم في 55 شارع 13 وكان المحامي اليهودي يوسف سلامةمقيما به حتى وفاته في سبتمبر عام 1981
معابد الأسكندرية
كلها معابد صغيرة مثل الزوايا التى تقام فيها الصلوات الخاصة بنا نحن المسلمين وللعلم فأن عدد اليهود بمدينة الأسكندرية 24 فرد فقط وتقول هيئة الأثار أنه لا يوجد بالأسكندرية غير معبد واحد.
معبد <الياهوحنابى >
بشارع النبي دانيال:
وهو من أقدم وأشهر معابد اليهود في الإسكندرية. شيد عام 1354 تعرض للقصف من قبل الحملة الفرنسية علي مصر عندما أمر نابليون بقصفه لإقامة حاجز رماية للمدفعية بين حصن كوم الدكة والبحر، وأعيد بناؤه مرة أخرى عام 1850 بتوجيه ومساهمة من أسرة محمد علي.
رئيس الطائفة اليهودية الحالي بالأسكندرية د. ماكس سلامه، طبيب الاسنان المعروف بالإسكندرية، 92 عاما. و يرأس الطائفة منذ 6 سنوات
دكتور / ماكس سلامة
بمدخل المعبد، تطالعك آيات قرآنية معلقة في حجرة، إنها حجرة الأستاذ عبد النبي أبوزيد المسؤول الإداري بالمعبد، يعمل به منذ 20 عاماًتأتي الوفود للاحتفال برأس السنة اليهودي في شهر سبتمبر (أيلول)، وعيد الغفران والحانوكاة والبوريم وعيد المظلة، وسمحات أورات وعيد الفصح
معبد «منشه»
أسسه البارون يعقوب دي منشه عام 1860 بميدان المنشية، وهو مبني بسيط مكون من طابقين معبد «الياهو حزان»:
بشارع فاطمة اليوسف بحي سبورتنج الذي أنشئ عام 1928
معبد جرين:الذي شيدته عائلة جرين بحي محرم بك عام 1901
ومعبد يعقوب ساسون عام 1910 بجليم
ومعبد كاسترو الذي أنشأه موسي كاسترو عام 1920 بحي محرم بك
ومعبد نزاح اسرائيل الاشكنازي عام 1920،
معبد «شعار تفيله» أسسته عائلتا «انزاراوت» و«شاربيه» عام 1922 بحي كامب شيزار، هذا الى جانب بعض المعابد التي هدمت واندثرت.