في ساحة الثانوية الواسعة كانت هبة تحتضن كتبها بيد بينما تداعب خصلة من شعرها الأحمر في شرود، قطعت عليها شرودها أحلام عندما قالت:
أحلام: إيه، أين سرحت يا سندرللا، ألن تحك لي ما حدث؟ هل كلمته؟ كتبت له رسالة على بريده أم أضفته إلى المسنجر؟
هبة: لا شيء من كل هذا، لم أفعل شيئا، ماذا أقول له؟ أنا فتاة المقهى؟ ماذا سيظن بي؟
رفعت أحلام حاجبها الأيسر و قالت بلهجة شبه ساخرة:
أحلام: مممم، أصبح لك عقل يفكر يا هبة!
تجاهلت هبة العبارة و عادت إلى شرودها من جديد.
تنهدت أحلام و هي تهز رأسها يمينا و شمالا، و قالت في ملل:
أحلام: أنت مملة هبة، يجب أن نعطيك بعض الدروس التي سوف...
قطعت أحلام جملتها عندما رأت إيمان تتجه نحوهما:
إيمان: سلام، كيف حالكما؟؟ أين منى؟؟
أحلام: لم تصل بعد، الحصة الأولى ستبدأ الآن.
بدأت الساحة تفرغ من الطلاب و أتجه كل واحد إلى فصله، تحركت كل من أحلام، إيمان و هبة إلى قاعة الدرس، لا أثر لمنى، أخذت كل واحدة مكانها و هن يتهامسن عما يمكن أن يكون قد أصاب منى، ربما هي مريضة، و بينما كن يتبادلن الهمسات دخلت فتاة ترتدي تنورة طويلة سوداء تلمس الارض و قميص أبيض و تضع على رأسها حجابا يمزج بين اللونين الأبيض و الأسود، تحتضن كتبها و تمشي ناظرة للأرض، تقدمت منهن و جلست بالمقعد الفارغ قرب هبة، كانت أحلام و إيمان تجلسان خلف هبة مباشرة، نظرتا إليها بفضول فرفعت رأسها لتنظر إليهن بابتسامتها المعهودة و قالت:
منى: ماذا بكن؟ أصبتن بالبله المنغولي أخيرا؟؟؟
إيمان: منى ما هذا التغيير الجذري؟؟؟
أحلام: هذه صدمة العمر ماذا حدث؟؟
هبة: منظرك رائع، الآن فهمت لماذا يقولون بأن وجه الفتاة يضيء عندما ترتدي الحجاب، شجعيني لأفعل مثلك منى.
ضحكت منى ضحكتها المعتادة ثم قلصت وجهها و هي تقلد صوت هبة:
منى: شجعيني لأفعل مثلك منى
نظرت إلى إيمان و أحلام نظرة ساخرة و قالت لهن و هي تشير بسبابتها إلى هبة
منى: أرجو كما أبعداها عني لأنني سأرتكب فيها جريمة
ضحكت إيمان و أحلام و قد عرفتا بأن منى لم تتغير و إن تغير زيها
أحلام: و لماذا هذه الحلة الجديدة منى؟
أجابت منى بنفاذ صبر:
منى: هذه نزوة من نزوات الحنان و الخوف أصابت كريمة هذا الصباح، اضطررت للتظاهر بأنني سعيدة و بأن هذا حلمي منذ زمن، أنتن تعرفن بأنني لا أريد الخروج من حلة الفتاة المثالية، لكن هذا لن يدوم، سأجد حلا، صمتت الفتيات عندما دخل المدرس القاعة.
أستاذ لطفي، في الخامسة و الأربعين، أشيب الفودين، فارع الطول، له لكنة محببة في لغته العربية إذ أنه قضى طفولته و أيام دراسته في الخارج، و لم يكن يحيط ببنصره ذلك القيد المعدني القبيح.
تبدأ التنهدات و الغمزات و التعليقات عندما يبدأ حصته، لكنه كان صارما لا يحتمل ميوعة المراهقات فيتعامل معها بقسوة و يجهض كل تقرب مريب في رحم صاحبته.
مرت الحصة سريعة جداً أو هكذا أحست الطالبات، خرج الأستاذ لطفي من قاعة الدرس و أنفه للسماء كعادته، فساد الضجيج في القاعة و استدارت منى إلى أحلام و إيمان قائلة:
منى: من أين يأتي مثل هؤلاء الرجال؟؟؟ لو كان عندي مثله لصلبته و وضعته في صندوق زجاجي، تحفة، هذا ما هو عليه
تعالت قهقهة البنات و قالت إيمان و هي تغالب ضحكة مجنونة:
إيمان: من حسن الحظ أنك لا تملكين واحدا
ابتلعت منى هذه العبارة التي أصابتها في مقتل و حاولت أن لا تظهر أي تأثر و قالت في تعال:
منى: أراهنكن على أن الأستاذ لطفي سيقع في ظرف شهر واحد
إيمان: أنا أراهنك على كل التنانير القصيرة التي لن تلبسيها مجددا، في ظرف شهر واحد إن لم يعطك الأستاذ موعدا أحضريها إلي هههه.
أحلام: و أنا أريد الفساتين، لن تحتاجيها، أريدها كلها هههه.
التفتت الفتيات إلى هبة التي كانت تداعب خصلة من شعرها الأحمر كعادتها و هي سارحة في ملكوت آخر
منى: و أنت؟؟؟ ماذا تريدين؟؟
نظرت هبة إليهن في عدم فهم ثم قالت بصوت متردد:
هبة: هل أضيفه إلى المسنجر أو لا؟؟؟
انفجرت الفتيات ضاحكات عندما وصلتهن عبارة واضحة و مباشرة "رابعة العدوية تطلق ال
نكت، ألست تعرفين أن النكت حرام؟" التفتن إلى مصدر الصوت فرأين فريقا من البنات يراقبهن في سخرية و هن يتغامزن على مظهر منى الجديد.
نظرت أحلام إلى منى نظرة ذات معنى، ثم التفتتا معا إلى إيمان التي أزالت نظاراتها الطبية و وضعتها في محفظتها، قفزت أحلام فوق الطاولة و واصلت القفز من طاولة لأخرى حتى وصلت إلى الفتاة التى ألقت الجملة فانقضت عليها تجرها من شعرها و قد انفض مجلسها و انسحبت كل البنات من حولها خوفا من بطش أحلام، إيمان كانت تحمل كتابا ثقيلا نزلت به على رأس واحدة من مرافقات صاحبة الجملة النارية التي أشعلت الجو، هبة اندست تحت طاولة منعزلة و هي تغطي رأسها بذراعيها أما منى فقد صعدت فوق إحدى الطاولات و رفعت تنورتها لتكشف عن ساقيها و ركبتيها و قد بدا منظرها غريبا مع الحجاب، رفعت قدمها تنوي غرسها في بطن إحدى البنات عندما جلجل صوت جهوري في القاعة "ما هذه الحرب الشعواء؟!؟؟!!؟"
تجمدت الفتيات كل واحدة في وضع مختلف و هن ينظرن إلى الأستاذ لطفي الذي يتطاير الشرر من عينيه.
جلس الأستاذ لطفي على مكتبه و قد مثل أمامه صف من البنات، ثلاث فتيات على اليمين أولاهن منفوشة الشعر تشي بما مارسته عليها أحلام من رياضة، الثانية كانت تمسك رأسها متألمة و تعبير بائس يعتلي ملامحها بينما كانت الثالثة تمسك خدها الذي يبدو أنه تلقى العديد من الصفعات.
في الجانب الأيسر كانت تقف أحلام مقطبة حاجبيها و عاقدة ذراعيها على صدرها بجانبها إيمان و قد رفعت حاجبها الأيسر في تحد، منى كانت تقف و هي ما تزال ترفع تنورتها بيديها معا لتفصح عن ساقين بديعتين و قدمين صغيرتين تستكينان في حذاء أسود لامع، في آخر الصف كانت هبة تبكي بصمت.
أنهى الأستاذ تفحصه الصارم في وجوه البنات و قال بصوت واضح النبرات:
لطفي: ستحلن جميعكن إلى المجلس التأديبي، الضارب و المضروب.
بدأت البنات بالتوسل و طلب السماح، وحدها منى ظلت بنفس الوضع و تنورتها مرفوعة
أشار الأستاذ إليهن بصرامة ليصمتن ثم قال:
لطفي: حسنا، سأعتبر أنني لم أر شيئا و إذا تكرر الأمر أيتها القطط الضالة فتأكدن أن عقابي لكن ستحكي عنه الأساطير الإغريقية، هيا انصرفن الآن.
كانت كل البنات تنظرن إلى الأرض في خجل مما صنعن إلا منى، وحدها كانت تنظر إليه في وقاحة تحاول أن توصل إليه رسالة ما، تحرك جمع البنات نحو الباب و هن يتنفسن الصعداء، اتجهت منى معهن نحو الباب عندما سمعت صوت الأستاذ يأمرها بالإنتظار قائلا:
لطفي: انتظري أنت يا ذات الخمار
وقفت منى و ظهرها إليه، اعتلت ملامحها نظرة واثقة، يبدو أن الأستاذ سيقع بأسرع مما تتصور، استدارت منى عائدة إلى حيث كانت تقف أمام مكتب الأستاذ بينما خرجت كل البنات و ظلت وحدها معه.
نهض لطفي تاركا مكتبه، و وقف أمامها مباشرة ثم رفع كفه إلى السماء ليهوي بها على خدها الأيمن و قال بصوت جمد الدم في عروقها:
لطفي: هذه لأنك لم تحترمي حجابك
انصدمت منى أكبر صدمة في حياتها و هي المدللة التي لم يرفع شخص في الدنيا كلها يده عليها، ظلت تنظر إليه في مزيج من الدهشة و الصدمة و الألم و الإهانة.
عاد لطفي يرفع يده مرة ثانية ليهوي بصفعة ثانية على خد منى، ثم قال:
لطفي: و هذه كي تتعلمي أن تنظري إلى الأرض عندما أكلمك.